لأنّ الإنسان لا يمكن أن يخضع لشهواته ، ويركب مطيّة أهوائه ، وهو واع بصير. إذ انه آنئذ سيهتم بتزكية نفسه وترويضها ، كما الامام أمير المؤمنين علي (ع) الذي قال وهو يحكم إمبراطورية عريضة : «وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق ، ولو شئت لاهتديت الطريق ، الى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القرّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي الى تخيّر الأطعمة ..
إليك عني يا دنيا ، فحبلك على غاربك ، قد انسللت من مخالبك ، وأفلت من حبائلك ، واجتنبت الذهاب في مداحضك .. اعزبي عني! فو الله لا أذل لك فتستذليني ، ولا أسلس لك فتقوديني ، وأيم الله يمينا أستثني فيها بمشيئة الله ـ لأروضن نفسي رياضة تهش معها الى القرص إذا قدرت عليه مطعوما ، وتقنع بالملح مأدوما ، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها ، مستفرغة دموعها». (١)
[١٧] ومن أراد ان يعي الحقائق ، ويزداد بصيرة وهدى ، ويستقيم على المنهج السليم ، فعليه أن يسعى بنفسه نحو الهداية ، لأن على الإنسان الخطوة الاولى وعلى الله التوفيق.
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا)
بحثوا عن الحق بأنفسهم ، وسعت قلوبهم نحو البصيرة ، أولئك الذين يأخذ ربهم بأيديهم في طريق الهداية ، فيزيدهم هدى كما يثبت أقدامهم أن تزل بفعل عواصف الشهوة ورياح الفتن.
__________________
(١) نهج / رسالة ٤٥ ـ ص ٤١٧