انقطع ، فلم يبق منهم أحد على وجه الارض ، فقال له ابن دحية : تكذب يا شيخ السوء ، فقال له من غير اكتراث ولا انزعاج ، على تؤدة من القول ، من غير غضب : لا تسفه ، أنا لا أقول هذا من تلقاء نفسي ، وإنما أنقله عن الناس ، فان فلانا قد ذكر ذلك ، وذكره فلان ، وفلان ، فاحتد ابن دحية ، وسبه ، وهو لا يرد عليه ، ويكلمه كلام عاقل ثابت من غير اكتراث بقوله ، ثم قال له في أثناء كلامه : وأي فخر لك في الانتماء الى هذا النسب ، فان دحية لم يتميز على الصحابة إلّا بالجمال ، فهلا انتسبت الى أبي بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، أو علي ، أو غيرهم من كبار الصحابة ، ثم أورد تاج العلى حكاية ، فقال ابن دحية : أنا والله أحفظها خيرا منك ، فقال : أنا ما أوردت الحكاية وادعيت أن أحدا لا يحفظها ، فهل لحنت فيها؟ قال : لا ، قال : فهل زدت فيها؟ قال : لا ، قال : فهل نقصت منها؟ قال : لا ، قال : فأي حفظ هو خير من هذا؟!
وسمعت شيخنا عز الدين يقول لي ، فيما يحكيه عن تاج العلى ، : لما قدم تاج العلى الى الموصل لم يوفه أولاد النقيب بنو عبيد الله حقه من الكرامة ، وجرى له معهم أمر أوجب أن لبس ثوبا أزرق ، وعمامة صغيرة ، وكحل عينيه ، وقص شاربه (٢٢٢ ـ و) وانتمى الى مذهب الحنابله ، وجعل يجلس في مجالس الوعظ ، ويذكر مناقب بني أمية ، ويغض من الطالبيين ، فشق ذلك على أولاد النقيب ، ولم يقدروا على مقابلته ، وعظم أمره ، وانتمى إليه خلق من أهل السنة ، ثم رحل من الموصل ، وفي قلوبهم منه شيء عظيم ، ثم عاد إليها ، ودخل على أخي مجد الدين ، وأقام أياما ، وعزم على الرحيل ، فقال له أخي : إن أتابك صاحب الموصل على شرف الموت ، وستحضر عزيته ، فاصبر حتى تعظ في عزيته ، فقال : مبارك إن شاء الله ، فقال له : هل أن أصلح بينك وبين أولاد النقيب ، ويرضخوا لك بشيء ، فأعجبه ذلك وأجاب إليه ، قال : فاجتمع أخي بأولاد النقيب وقال لهم إن تاج العلى قد قدم ، فهل لكم في مصالحته؟ فقالوا : نعم ، فقال : ولا بد أن يصل إليه منكم شيء ، فقالوا : أي شيء رسمته فعلناه ، قال : فأصلح بينهم ، وجلس مجلسا ذكر فيه مناقبهم وفضائلهم ، فلما انفصل المجلس أرسل كل منهم إليه بشيء من الثياب ، والذهب ، وغير ذلك.
قال : ومات أتابك صاحب الموصل ، فجلس في عزيته وتكلم ، وحصل له شيء ،