ولو أنّه يعطي الناس كيفما أرادوا لربما فسد العالم ، فقد يتمنّى الجميع أو الأكثريّة الذكور أو العكس ، بينما لا بد من التنوع والتوازن للحفاظ على الجنس البشري ، ومن جانب آخر يجعل ربّنا البعض عقيما لحكمة يعلمها ، فربما يفسد العقيم لو أعطي ذريّة.
ومعرفة هذه الحقيقة تبعث السكينة في النفس ، فمن علم بأنّ الله هو الوهّاب لأفضل النعمة وأشدّها تأثيرا على النفس ، وهي نعمة الذرية التي تهشّ لها نفس كلّ حي ، لا يستبدّ به الفرح حتى يدخله في الغرور ، كما أنّه لو فقد شيئا من النعمة لا يستبدّ به اليأس حتى يدخله في الكفر بالنعم ، لأنّه يعلم بأنّ المقدّر لكلّ ذلك هو الله الذي لا يظلم ولا يجور سبحانه وتعالى.
[٥١] وفي سياق الحديث عن آماد ضعف البشر ، وأبعاد حاجته ، وضرورة اتصاله بمعدن القوة ، وينبوع الغنى برحمة الله الذي له ملك السموات والأرض يهدينا الربّ الى نعمة الرسالة ، ويتصل الحديث عن الرسالة بالجوّ العام لسورة الشورى التي تختم بهذه الآيات اتصالا متينا ، ذلك لأنّ الشورى ـ كما أسلفنا ـ متمّمة للنظام السياسي للأمّة ، ومحور هذا النظام بل وأساس الأمّة هو الوحي الذي يضفي على المجتمع المسلم صبغة الله ، ويحييه بكلمة التقوى ، ويوحّده حول محور القيادة الرسالية المتمثّلة في الرسول (ص) وذوي القربى من أهل بيته المعصومين ومن اتبع نهجهم من الفقهاء الصالحين!
ولم يمنّ الله على عباده بنعمة أعظم ولا أروع ولا أنفع من الوحي. إنّه التجلّي الأعظم لرحمة الله التي وسعت كلّ شيء ، وأيّ تقدير أو أيّ احترام أكبر من أن يتلقّى الإنسان كلمات جبّار السموات والأرض.؟! وأيّ قلب عظيم هذا الذي يتلقّى هذا الأمر الثقيل فلا يتصدّع.؟! أيّ سماء تحلّق بها هذه النفس الكريمة