ولقد سجّل القرآن أعظم الحوادث التاريخية ، وبيّن عبرها والبصائر التي نستوحيها منها ، وهكذا اختصر هنا الإشارة إلى تلك الحادثة ، ثم أشار إلى نهاية الحرب فقال :
(وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)
إنّهم سوف ينتصرون بعد أن غلبوا وانهزموا. وهذه نبوءة قرآنية بدأ الله بها سورة الروم ، لكي لا ننخدع بظاهر الأمور ، بل نرى القوى الخفيّة التي تكمن وراءها.
فبالرغم ممّا حقّق الفرس من انتصار ، إلّا أنّ هذا الانتصار كان مقدمة لانتكاستهم ، لأنّ هذا الانتصار كان سببا لترهّلهم ، واسترخائهم ، وكان من أسباب انتكاستهم انتشار الطبقية المقيتة.
وفي عام (٦٢٢) قاد الإمبراطور الروماني (هر قل) حملة مضادة ، وألحق هزائم متتالية بجيش الملك الإيراني (خسرو) ، واستمرت حملاته لعام (٦٢٨) حيث صادف العام الخامس أو السادس للهجرة ، حيث كانت الجزيرة العربية تشهد ولادة حضارة إلهيّة ، وتتوالى انتصارات المسلمين ، ولعلّ أعظمها عسكريّا تمثّلت في هزيمة الأحزاب في حرب الخندق ، واعتراف قريش بقوّة المسلمين في صلح الحديبية.
(٤) وبعد بضع سنين إذا بالروم ينتصرون على الفرس ، وتتحقّق نبوءة القرآن فيهم.
(فِي بِضْعِ سِنِينَ)
وهذا التعبير يدلّ على تأثير عامل الزمن على جريان سنن الله ، فبعض الناس يريدون أن تجري سنن الله بلا أجل ، وهذا لا يكون ، لأنّه يتنافى وحكمة الابتلاء ،