وكقوله سبحانه : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) (النور : ٣٩) ؛ فجعل نقله بالهلكة من دار العمل إلى دار الجزاء وجدانا للمجازي.
ومنه ما جرى مجرى الحقيقة ، كقوله تعالى : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (النور : ٤٣) ، فإن اقتران هذه ب «يكاد صرفها إلى الحقيقة ، فانقلب من الامتناع إلى الإمكان.
وقد تجيء المبالغة مدمجة ، كقوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) (الرعد : ١٠) ، فإن المبالغة في هذه الآية مدمجة في المقابلة ، وهي بالنسبة إلى المخاطب ، لا إلى المخاطب ؛ معناه أن علم ذلك متعذّر عندكم ؛ وإلا فهو بالنسبة إليه سبحانه ليس بمبالغة.
وأما قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ...) (الكهف : ١٠٩) الآية ، فقيل : سببها أن اليهود جاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا له : كيف عنّفنا بهذا القول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء : ٨٥) ، ونحن قد أوتينا التوراة ، وفيها كلام الله وأحكامه ، ونور وهدى! فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «التوراة قليل من كثير» (١) ، ونزلت (٢) هذه الآية.
٣ / ٥٤ وقيل : إنما نزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) (لقمان : ٢٧).
قال المفسرون : والغرض من ذلك الإعلام بكثرة كلماته ؛ وهي في نفسها غير
__________________
(١) أخرجه من رواية عبد الله بن عباس رضياللهعنه : ابن جرير الطبري في تفسيره ٢٢ / ٥١ عند تفسير قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ...) الآية ، وأخرجه بلفظ مقارب من رواية عبد الله بن عباس رضياللهعنه : أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٢٥٥ ، والترمذي في السنن كتاب (٤٨) باب (١٨) «ومن سورة بني إسرائيل» الحديث (٣١٤٠) ، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى كتاب التفسير عزاه له المزّي في تحفة الاشراف ٥ / ١٣٣ الحديث (٦٠٨٣) ، وأخرجه ابن حبان ذكره ابن بلبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ١ / ١٥٥ الحديث (٩٩) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٥٣١ كتاب التفسير ، وذكره الواحدي في أسباب النزول بدون إسناد ص : ٢٢٣ و٢٦٠ ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٤ / ١٩٩ عند تفسير قوله تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ...) الآية.
(٢) في المخطوطة «فنزلت».