وأول ما تلقى موسى (ع) من الوحي هو الاشارة بالبركة : «أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها» وربما يقصد بمن في النار الله تعالى ، ومن حولها موسى.
أما عن منطلق البركة في حياة الإنسان فهو الايمان بالله سبحانه وتعالى ، لذلك يأتي النداء الآخر بعد ذكر البركة ـ وفيه تعبير عن التوحيد ـ فالله هو منشأ كل خير في عالم الطبيعة ، والايمان بالله هو منشأ كل خير في عالم التشريع.
وبعد ان يشير السياق الى الآيات التي تجلت على يد موسى (ع) يتناول قصة سليمان (ع) الذي ورث العلم والملك من داود ، فأصبح ملكا نبيا ، وذلك ليبين لنا فكرة هامة هي : ان الالتزام بالرسالة لا يعني تحمل المشاق والمتاعب الا انها بالطبع تؤدي بأصحابها الى النصر والملك.
والقرآن الحكيم كثير ما يبين لنا أحكامه وأفكاره عبر الامثلة التاريخية والقصص ، فبقصة يعقوب مع ولده يوسف (ع) يثير فينا عاطفة الابوة ، وبقصة إبراهيم مع ابنه إسماعيل (ع) ـ حين أراد ذبحه ـ يبين تحدي الإنسان لهذه العاطفة ، أما من قصة سليمان (ع) فاننا نستوحي ان الدنيا والآخرة يمكن ان يجتمعا على صعيد واحد ، فبإمكان الرسالي صياغة حياة ملؤها الفضيلة والتقوى ، ويجمع إليها القوة والنعم الدنيوية ، والقصة تفيد أيضا ان التفكير السليم يمكّن من جمع الدنيا والآخرة ، حسب مستوى الإنسان وطموحه وقدراته ، ويستشف من القصة معنى البركة الذي جاء ذكره في أوّل الآيات ، فإنسان ما قد يصبح كسليمان نبيا ، يتلقى الوحي من الله سبحانه مباشرة ، وفي الوقت ذاته يكون ملكا بملك لا ينبغي لأحد من قبله ولا لأحد من بعده.
بينات من الآيات :
[٧] لكي لا يستغرب أحد كيف يتلقى الرسول الوحي من لدن حكيم عليم ،