أحدهما : أن كون الشيء مما يتم أصل المعنى بدونه ونعنى بالمعنى متعارف الأوساط لا يختص اشتراطه بالتتميم ، فمتى كان هو المراد بالفضلة كانت مستدركة ؛ لأن كلام الإطناب كله أتى فيه بفضلة بهذا الاعتبار.
وثانيهما : أن المصنف مثل فى الإيضاح للتتميم بقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(١) فقوله مما تحبون ليس فضلة بهذا الاعتبار ، فلا يكون تتميم (٢) والمصنف جعله من التتميم وإنما لم يكن فضلة بهذا الاعتبار لأن الإنفاق مما يحبون الذى هو المقصود بالحصر لا يتم أصل المراد بدونه ، إذ لا يصح أن يقال حيث أريد هذا المعنى حتى تنفقوا فقط دون مما تحبون ، فتعين أن مراده بالفضلة بعض هذه الفضلات ، ولا شك أن مما تحبون بعضها لأنه مجرور. ولكن هذا الوجه الثانى لا يخلو عن بحث لأنه إذا لم يجعل مما تحبون مما يتم أصل المعنى بدونه ، لم يكن إطنابا أصلا ، فيكون التمثيل به فاسدا من أصله فلا يستشهد به فيجب حيث جعل إطنابا ، أن يدعى أن أصل المعنى حتى تنفقوا أى : يقع منكم إنفاق وزيادة مما تحبون ، ولو كان باعتبار القصد محتاجا إليه لا تكون من المساواة ؛ لأن ما زيد لأجله من النكتة لا يدركها الأوساط وقد تقدم أن ذلك هو مناط الإطناب ، وإنما قلنا أن المقصود به أمر لا يدركه ويراعيه إلا البلغاء ؛ لأن فيه الإشارة إلى أن نيل البر لا يكون إلا بغلبة النفس ، وتحميلها المشاق بالإنفاق من المحبوب المشته بخلاف مطلق الإنفاق ، ولو كان فيه أجر لا يبلغ لهذا المعنى ، وبه يعلم أن كون الشيء مقصودا فى الكلام بحيث لا يتم المراد من حيث إنه مراد للمتكلم إلا به لا ينافى كونه إطنابا فليفهم.
وقد تبين بحد التتميم أنه مباين للتكميل ؛ لأنه شرط فى التتميم أن لا يوهم الكلام معه خلاف المراد بخلاف التكميل ، ومباين للتذييل إن شرطنا فى الجملة أن لا يكون لها محل من الإعراب ؛ لأن الفضلة لا بد أن تكون فى محل من الإعراب وإن لم نشترط فى الجملة أن لا يكون لها محل من الإعراب كان بينه وبين التذييل عموم من وجه لاجتماعهما فى الجملة التى لها محل من الإعراب وانفراد التتميم بغير الجملة
__________________
(١) آل عمران : ٩٢.
(٢) كذا جاءت فى المطبوع بالرفع على أن كان تامة.