ضرورة أن الكلام مشتمل على سلب الشمول (أو أفاد) الكلام (تعلقه) أى : تعلق ما تقدم من الفعل أو الوصف (به) أى : ببعض ما أضيفت إليه كل ، كما أفاد أيضا سلبه عن بعضه ، أما إفادته ثبوت الفعل أو الوصف ففيما إذا كانت كل فاعلا معنى ، أو لفظا للفعل ، أو الوصف كقولك فى الفاعل اللفظى لهما ما حصل كل المتمنى ، أو ما حاصل كل المتمنى ، وفى المعنوى لهما ما كل المتمنى يحصل أو ما كل المتمنى حاصل ، وأما ، وإفادته تعلق الفعل أو الوصف ، ففيما إذا كانت كل مفعولا لفظا ، أو معنى لهما كقولك فى المفعول اللفظى لهما «ما يدرك الإنسان كل المنى» أو «ما الإنسان مدرك كل المنى» وفى المعنوى لهما ما كل ما يتمنى المرء يدركه ، أو ما كل ما يتمنى الإنسان مدركه ، وإطلاق الثبوت على نسبة أحدهما للفاعل ، والتعلق على نسبته للمفعول اصطلاح شائع ، والدليل على إفادة الكلام بالوجه السابق الثبوت ، أو التعلق للبعض وسلبهما عن البعض موارد الاستعمال ، ودليل الخطاب ، وهو المسمى بمفهوم المخالفة ، فإنك إذا قلت «ما يدرك الإنسان المنى كله» كان مفهومه أنه يدرك بعضه ، والذوق شاهد صدق أيضا فى ذلك ، ولكن الحق كما قيل أن الحكم أكثرى لا كلى ، فقد وردت كل التى هى فى حيز النفى لشمول النفى ، كقوله تعالى (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)(١)(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)(٢)(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ)(٣) فإن المراد قطعا نفى محبة كل كفار وكل مختال لا نفى محبة البعض وإثباتها للبعض ، وكذا المراد فى لا تطع كل حلاف نهى عن إطاعة كل فرد فرد من أفراد الحلاف المهين لا نهى عن إطاعة البعض وإثبات لإطاعة البعض ، والنهى هنا كالنفى ، وما يقال من أن الحكم كلى منع من إرادة معناه فى هذه الجمل مانع شرعى ، أو منع تقديره دخول كل بعد التسلط على أصل الفعل ، فكان مدلول كل وهو العموم قيدا فى النفى الحاصل ، فأفاد نفيا مقيدا بأنه عام ، فكان من باب النفى المقيد بالعموم لا من
__________________
(١) الحديد : ٢٣.
(٢) البقرة : ٢٧٦.
(٣) القلم : ١٠.