يتبع الشيطان الخاسر تحقيرا لشأن الشيطان ، وقد يجعل الإيماء ذريعة إلى تحقيق الخبر أى : تثبيته فى الخارج ، وبيان تحقيق وقوعه فى نفس الأمر لكون ما كان الإيماء به كالدليل عليه وذلك نحو قوله :
إن التى ضربت بيتا مهاجرة |
بكوفة الجند غالت ودها غول (١) |
أى : إن التى انقطعت بكوفة الجند وهاجرت إليها قد أخذت الغول ودها ، وأهلكته ففى ذكر ضرب البيت بكوفة الجند وسميت كوفة الجند ؛ لأن جند كسرى بها ، وذكر هجرانها بها إيماء إلى أن الخبر المبنى عليه مما يجانس انقطاع المحبة وذهاب الوصل ؛ لأن الانقطاع إليها كالدليل عليه فمع كونه فيه إيماء لما ذكر فيه دلالة على تحققه ، فليس الإيماء لوجه بناء الخبر نفس الإيماء إلى تحققه حتى يستغنى بذكره عنه كما قيل ؛ بل الإيماء أعم لحصوله بلا تحقق فى نحو قوله.
إن الذى سمك السماء بنى لنا |
بيتا ... |
فإن فيه الإيماء من غير دلالة على تحققه إذ لا يدل سمك السماء على بناء بيتهم لا لحصوله معه فى نحو المثال لكون ما أشير فيه إلى الوجه كالدليل على ذلك الوجه فتحقق بما ذكر أمران.
أحدهما : أن المومأ به لا يجب أن يكون علة للمومأ إليه ، كما فى هذا المثال فإن ضرب البيت بكوفة الجند ليس علة لانقطاع المودة ؛ بل الأمر بالعكس.
والآخر : أن الإيماء قد يحصل بلا تحقق كما فى سمك السماء فهذا تحقيق هذا المحل فليتأمل.
تعريف المسند إليه بالإشارة وأغراضه
(وبالإشارة) أى : وأما تعريف المسند إليه فيكون بالإشارة أى : بإيراده اسم إشارة (لتمييزه) أى : لتميز معنى المسند إليه (أكمل تمييز) لغرض من الأغراض ، كأن يكون فى مقام المدح ، وفى حال إجراء أوصاف الرفعة ونعوت الأثرة ، فيكون تميزه ـ حينئذ ـ أعون على كمال المدح ؛ لأن ذكر الممدوح بما يصاحبه حقا قصور فى الاعتناء
__________________
(١) من البسيط وهو لعبدة بن الطيب العبثمى في ديوانه ص ٥٩ ، وتاج العروس (كوف).