تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) أي الصفة العليا ، وهو قول «لا إله إلا الله» ، وقوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (الرعد : ٣٥) أي صفتها.
ومن حكمته تعليم البيان : وهو من خصائص هذه الشريعة ، والمثل أعون شيء على البيان.
فإن قلت : لما ذا كان المثل عونا على البيان ، وحاصله قياس معنى بشيء ، من عرف ذلك المقيس فحقّه الاستغناء عن شبيهه ، ومن لم يعرفه لم يحدث التشبيه عنده معرفة! والجواب أنّ الحكم والأمثال تصوّر المعاني تصوّر الأشخاص ؛ فإن الأشخاص والأعيان أثبت في الأذهان ، لاستعانة الذهن فيها بالحواسّ : بخلاف المعاني المعقولة ؛ فإنها مجرّدة عن الحسّ ولذلك دقت ؛ ولا ينتظم مقصود التشبيه والتمثيل إلا [بأن] (١) يكون المثل المضروب مجرّبا مسلّما عند السامع.
وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود ما لا يخفى ؛ إذ الغرض من المثل تشبيه الخفيّ بالجليّ ؛ والشاهد بالغائب (٢) ، فالمرغّب في الإيمان مثلا إذا مثّل له بالنور تأكّد في [قلبه] (٣) المقصود ، والمزهّد (٤) في الكفر إذا مثّل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه.
وفيه أيضا تبكيت الخصم ، وقد أكثر تعالى في القرآن و [في] (٥) سائر كتبه من الأمثال ، وفي سور الإنجيل : «سورة الأمثال» قال الزمخشري (٦) : «التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني ، وإدناء المتوهّم من المشاهد ؛ فإن كان المتمثّل له عظيما كان المتمثّل به مثله ، وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك ؛ فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إلا بأمر استدعته حال الممثّل له ، ألا ترى أن الحقّ لما كان واضحا جليا تمثّل له بالضياء والنور ، وأنّ الباطل لما كان بضده تمثل له بالظلمة ، وكذلك جعل بيت العنكبوت مثلا في الوهن والضعف (٧) [وجعل أخس قدرا من الذباب وضربت لهذا البعوضة] (٧).
__________________
(١) في المخطوطة (أن).
(٢) في المخطوطة (والغائب بالشاهد).
(٣) ساقطة من المخطوطة.
(٤) في المخطوطة (والزهد).
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) انظر الكشاف ١ / ٣٧ ـ ٣٨ ، في الكلام على قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً).
(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.