لبنها ، فأبى. فرمى أحدهما المصدّق ، فقتله بسهم ، فقال أحدهما لصاحبه : أني لا تحملني وإياك أرض ، فإما أن تصعد وانحدر ، وإما أن أصعد وتنحدر.
قال النخع : فأنا أصعد ، فأتى النّخع بيشه (١) ، فنزلها ، ومضى ثقيف إلى وادي القرى (٢) ، فكان يأوي إلى عجوز يهودية ، فيكمن عندها بالليل ويعمل بالنهار ، فاتخذته ولدا واتخذها أمّا ، فلما حضرها الموت ، قالت : أي بني ، إذا أنا مت فخذ هذه الدنانير ، وهذه القضبان من الكرم ، فإذا نزلت بلدا فاغرس فيها هذه القضبان ، فإنه لا يعدمك منها نفع ، ففعل ثقيف ، ثم أقبل حتى نزل موضعا قريبا من الطائف ، فإذا هو بحبشية في الظهر ترعى مائة شاة ، فأسرّ فيها طمعا ، وقال : أقتلها وآخذ الغنم ، وألقى في روعها ما أراد بها ، قالت : يا هذا كأنك طمعت أن تقتلني وتأخذ غنمي؟ قال : نعم. قالت : لو قد فعلت لقتلت وأخذت الغنم ، أنا جارية عامر بن ظرب بن عمرو بن [عياذ](٣) بن يشكر بن عدوان بن عمرو بن قيس بن (٤) عيلان بن مضر ، وهو سيد أهل هذا الوادي ، وأنا أظنك غريبا خائفا ، قال : نعم. قالت : أفلا أدلك على خير مما أردت؟ قال : بلى ، قالت : إنّ مولاي إذا طفلت (٥) الشمس للإياب يأتي
__________________
(١) بيشه (بالهاء) : واد من أودية تهامة ، في جنوب الجزيرة العربية ، ياقوت ١ / ٥٢٩. قلت : وبيشه اليوم مدينة كبيرة من مدن المملكة ، فيها جميع مقوّمات المدينة العصرية.
(٢) وادي القرى : واد مشهور بين تيماء وخيبر ، فيه قرى كثيرة ، وبها يسمّى وادي القرى. ياقوت ٤ / ٣٣٨.
(٣) في الأصل (عمّار) والتصويب من المحبّر وجمهرة ابن حزم. وعامر بن ظرب هذا : أحد رؤساء العرب في الجاهلية ، وحكامها ، وعقلائها ، وخطبائها ، وشعرائها ، وأخباره طويلة أنظرها في المحبّر ص : ١٣٥ ، ١٨١ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٩. والعقد الفريد ٦ / ٥٩ ، والبيان والتبيين ١ / ٢٦٤ ، ٣٦٥ ، ٤٠١.
(٤) كذا في الأصل ، وفي ذلك خلاف مشهور ، هل قيس ، هو : ابن عيلان بن مضر ، أو هو : قيس عيلان بن مضر. أنظر تفاصيل ذلك في الإنباه على قبائل الرواه لابن عبد البرّ ص : ٨٧ ـ ٨٨ ، وجمهرة ابن حزم ص : ٢٤٣ ، والعقد الفريد ٣ / ٢٦٩ ، ٦ / ٥٩.
(٥) أي : دنت للغروب. اللسان ١١ / ٤٠٣.