وهذه البئر قائمة في أصل المنارة إلى اليوم ، ينتفع الناس بها ويسقون منها.
وقد كان الحارث بن عيسى عمّرها في سنة ستين ومائة وهو يومئذ على خراج مكة وصوافيها ، مع ابراهيم بن محمد الهاشمي / وأحاط عليها بجدر من حجارة ، وشيّده بالنورة ، وجعل منتهى الحواط لاصقا بجدر المسجد الحرام اليماني ، ثم أحاط البناء حواطا إلى باب البقالين ، وأحكم العرصة التي يقوم فيها المستقى من البئر ، وجعل على ذلك الحواط طاقا وجعل عليه بابا يغلق ويفتح ، وكتب على وجه الطاق كتابا بالجص هو قائم إلى اليوم : بسم الله الرحمن الرحيم ، الملك الحقّ المبين ، وصلى الله على محمد سيد العالمين ، سقاية مباحة لبادي المسلمين وحاضرهم ، محرّم اجرتها ، رحم الله من دعا لمن أباحها بخير.
ثم مضوا ببابه بأساطين الرخام ، وسقّفه بالساج المذهب المنقوش فكان العمال يعملون كذلك في المسجد أحكم العمل ، واتقنه ، ويمدهم المهدي بالأموال ودخلت سنة تسع وستين ومائة وقد انتهوا إلى آخر منتهى أساطين الرخام من أسفل المسجد ، فتوفي أمير المؤمنين المهدي في سنة تسع وستين ومائة ، ولم يتم بناء المسجد (١).
ذكر
عمل أمير المؤمنين موسى في المسجد الحرام
وعمارته إيّاه
وقال : بعض أهل مكة : إن أمير المؤمنين موسى بن المهدي لما ولي الخلافة وذلك في سنة تسع وستين ومائة أمر بعمل المسجد الحرام ، فأسرع العمال في عمله ، وبنوا أساطينه المؤخرة بحجارة ، ثم طليت بالجص ، وإنما
__________________
(١) قارن هذا الفصل بما عند الأزرقي ٢ / ٧٩ ـ ٨١ ، وانظر إتحاف الورى ٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨.