وأما أوجه الافتراق فأحدها : أن الحال يكون جملة ، كـ «جاء زيد يضحك» ، وظرفا ، نحو : «رأيت الهلال بين السحاب» ، وجارّا ومجرورا ، نحو : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص : ٧٩] والتمييز لا يكون إلا اسما.
والثاني : أن الحال قد يتوقّف معنى الكلام عليها ، كقوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [الإسراء : ٣٧] ، (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] ، وقال [من الخفيف] :
٥٩٢ ـ إنّما الميت من يعيش كئيبا |
|
كاسفا باله قليل الرّجاء (١) |
بخلاف التمييز.
والثالث : أن الحال مبيّنة للهيئات ، والتمييز مبيّن للذوات.
والرابع : أن الحال يتعدّد ، كقوله [من الطويل] :
٥٩٣ ـ عليّ إذا ما زرت ليلى بخفية |
|
زيارة بيت الله رجلان حافيا (٢) |
بخلاف التمييز ، ولذلك كان خطأ قول بعضهم في [من الطويل] :
تبارك رحمانا رحيما وموئلا
إنهما تمييزان ، والصواب أن «رحمانا» [مفعول به] بإضمار أخصّ أو أمدح ، و «رحيما» حال منه ، لا نعت له ؛ لأن الحق قول الأعلم وابن مالك : إن «الرحمن» ليس بصفة بل علم ، وبهذا أيضا يبطل كونه تمييزا ، وقول قوم إنه حال.
وأما قول الزمخشري : إذا قلت : «الله رحمن» أتصرفه أم لا ، وقول ابن الحاجب : إنه اختلف في صرفه ، فخارج عن كلام العرب من وجهين ، لأنه لم يستعمل صفة ولا مجرّدا من «أل» ، وإنما حذفت في البيت للضرورة ، وينبني على علميّته أنه في البسملة ونحوها بدل لا نعت ، وأن «الرحيم» بعده نعت له ، لا نعت لاسم الله سبحانه وتعالى ، إذ لا يتقدّم البدل على النعت ، وأن السؤال الذي سأله الزمخشري وغيره لم قدّم «الرحمن» مع أن عادتهم تقديم غير الأبلغ ، كقولهم : «عالم نحرير» ، و «جواد فيّاض» ، غير متّجه.
__________________
(١) البيت من الخفيف ، وهو لعدي بن الرعلاء الغساني في الأصمعيات ص ١٥٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٣ ، ولسان العرب ٢ / ٩١ مادة / موت / ومعجم الشعراء ص ٢٥٢ ، ولصالح بن عبد القدوس في حماسة البحتري ص ٢١٤ ، ومعجم الأدباء ١٢ / ٩.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للمجنون في ديوانه ص ٢٣٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٣٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٥٩.