والثالث : أنها تفيد امتناع الشرط خاصّة ، ولا دلالة لها على امتناع الجواب ولا على ثبوته ، ولكنه إن كان مساويا للشرط في العموم كما في قولك : «لو كانت الشّمس طالعة كان النّهار موجودا» لزم انتفاؤه ؛ لأنه يلزم من انتفاء السبب المساوي انتفاء مسبّبه ، وإن كان أعمّ كما في قولك : «لو كانت الشّمس طالعة كان الضّوء موجودا» ، فلا يلزم انتفاؤه ، وإنما يلزم انتفاء القدر المساوي منه للشّرط ، وهذا قول المحققين.
ويتلخّص على هذا أن يقال : إنّ «لو» تدلّ على ثلاثة أمور : عقد السببية والمسببيّة ، وكونهما في الماضي ، وامتناع السبب ، ثم تارة يعقل بين الجزأين ارتباط مناسب وتارة لا يعقل.
فالنوع الأول على ثلاثة أقسام : ما يوجب فيه الشّرع أو العقل انحصار مسببيّة الثاني في سببيّة الأول ، نحو : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) [الأعراف : ١٧٦] ، ونحو : «لو كانت الشّمس طالعة كان النّهار موجودا» ، يلزم فيه من امتناع الأول امتناع الثاني قطعا ، وما يوجب أحدهما فيه عدم الانحصار المذكور ، نحو : «لو نام لانتقض وضوءه» ، ونحو : «لو كانت الشمس طالعة كان الضّوء موجودا» ، وهذا لا يلزم فيه من امتناع الأوّل امتناع الثاني كما قدّمنا ؛ وما يجوّز فيه العقل ذلك ، نحو : «لو جاءني أكرمته» ، فإن العقل يجوّز انحصار سبب الإكرام في المجيء ، ويرجحه أن ذلك هو الظاهر من ترتيب الثاني على الأول ، وأنه المتبادر إلى الذّهن ، واستصحاب الأصل ؛ وهذا النوع يدل فيه العقل على انتفاء المسبّب المساوي لانتفاء السبب ، لا على الانتفاء مطلقا ، ويدلّ الاستعمال والعرف على الانتفاء المطلق.
والنوع الثاني قسمان :
أحدهما : ما يراد فيه تقرير الجواب وجد الشرط أو فقد ولكنه مع فقده أولى ، وذلك كالأثر عن عمر ، فإنه يدل على تقرير عدم العصيان على كل حال ، وعلى أن انتفاء المعصية مع ثبوت الخوف أولى ؛ وإنما لم تدل على انتفاء الجواب لأمرين ؛ أحدهما : أن دلالتها على ذلك إنما هو من باب مفهوم المخالفة ، وفي هذا الأثر دلّ مفهوم الموافقة على عدم المعصية ، لأنه إذا انتفت المعصية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى ، وإذا تعارض هذان المفهومان قدّم مفهوم الموافقة ؛ الثاني : أنه لما فقدت المناسبة انتفت العلّية ، فلم يجعل عدم الخوف علّة عدم المعصية ، فعلمنا أن عدم المعصية معلّل بأمر آخر ، وهو الحياء والمهابة والإجلال والإعظام ، وذلك مستمرّ مع الخوف ، فيكون عدم