فى الماضى لفظا ، وأما الماضى معنى فالمراد به المضارع المنفى ب لم ، ولما ؛ فإنهما يقلبان معنى المضارع إلى المضى. فأورد للمنفى ب لم مثالين ؛ أحدهما مع الواو ، والآخر بدونه ، واقتصر فى المنفى ب لما على ما هو بالواو ، فكأنه لم يطلع على مثال ترك الواو إلا أنه مقتضى القياس فقال : (وقوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)(١) ، وقوله : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ ...)
______________________________________________________
(قوله : فى الماضى لفظا) أى : فى الحال الماضية لفظا أى : ومعنى (قوله : معنى) أى : فقط (قوله : فإنهما) أى : لم ولما والفاء للتعليل أى : وإنما كان المضارع المذكور ماضيا فى المعنى ؛ لأنهما يقلبان معناه التضمنى وهو الزمان إلى المضى ، فقول الشارح معنى المضارع إظهار فى محل الإضمار ، فإن قلت لم لم يستبشعوا تصدير الجملة الحالية بعلم المضى مثل لم ولما كما استبشعوا تصديرها بعلم الاستقبال؟ قلت : تصديرها بعلم الاستقبال مؤد للتنافى فى بعض المواد وهو ما إذا كان عامل الحال مقترنا بزمن التكلم فإنه لو صدر الحال بعلامة الاستقبال لزم التناقض ؛ لأن مقارنته بالعامل تقضى كونه فى زمان الحال وتصديره بعلامة الاستقبال يقتضى أن يكون فى زمان الاستقبال ، فلما كان التناقض لازما فى بعض المواد استبشعوا تصديرها بعلم الاستقبال مطلقا طردا للباب ، ولم يستبشعوا تصديرها بعلامة الماضى لما يأتى من أن لما لاستغراق الأزمنة وغيرها لانتفاء متقدم ، لكن الأصل استمرار ذلك الانتفاء ، فتحصل المقارنة للحال ، فلا منافاة بهذا الاعتبار.
(قوله : فكأنه لم يطلع على مثال) أى : مما يستشهد به فلا يقال المثال لا يشترط صحته وقد مثل له فى التسهيل بقول الشاعر :
فقالت له العينان سمعا وطاعة |
|
وحدّرتا كالدّرّ لما يثقب |
أى : وحدرتا دمعا شبيها بالدر فى حال كونه غير مثقب (قوله : إلا أنه) أى : ترك الواو (قوله : فقال) عطف على فأورد (قوله : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)) إن قلت عدم مساس البشر إياها لم ينتقل ، فكيف عد من الأحوال المنتقلة ـ قلت : الحال المنتقلة هى
__________________
(١) مريم : ٢٠.