وكان كذلك حتّى خالف الرّماة ، فإنّ المشركين لمّا أقبلوا جعل الرّماة يرشقونهم والباقون يضربونهم بالسّيف ، حتّى انهزموا والمسلمين على آثارهم.
(إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) : تقتلونهم. من حسّه ، إذا أبطل حسه.
(حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) : جبنتم ، وضعف رأيكم. أو ملتم إلى الغنيمة ، فإنّ الحرص من ضعف العقل.
(وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) ، يعني : اختلاف الرّماة حين انهزم المشركون ، فقال بعضهم : فما موقفنا هاهنا. وقال الآخرون : لا نخالف أمر الرّسول. فثبت مكانه أميرهم في نفر دون العشرة ، ونفر الباقون للنّهب. وهو المعنى بقوله : (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) : من الظّفر والغنيمة ، وانهزام العدوّ.
وجواب «إذا» محذوف ، وهو «امتحنكم».
(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) : وهم التّاركون المركز للغنيمة.
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) : وهم الثّابتون (١) ، محافظة على أمر الرّسول.
[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قوله : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) يعني ، أصحاب عبد الله بن جبير ، الّذين تركوا مراكزهم (٣) وفرّوا (٤) للغنيمة. قوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يعني ، عبد الله بن جبير وأصحابه ، الّذين بقوا حتّى قتلوا].(٥) (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) : ثمّ كفّكم عنهم ، حتّى خالف الحال ، فغلبوكم (٦) ، (لِيَبْتَلِيَكُمْ) : على المصائب ، ويمتحن ثباتكم على الإيمان عندها.
(وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) : تفضّلا ، ولما علم من ندمكم على المخالفة.
(وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١٥٢) : بتفضّله عليهم بالعفو ، أو في الأحوال كلّها ، سواء أديل لهم أو عليهم ، إذ الابتلاء أيضا رحمة ، (إِذْ تُصْعِدُونَ) : متعلّق «بصرفكم» أو «بيبتليكم» أو بمقدّر كما ذكروا.
والإصعاد ، الذّهاب والإبعاد في الأرض. يقال : أصعدنا من مكّة إلى المدينة.
__________________
(١) أ : التائبون.
(٢) تفسير القمي ١ / ١٢٠.
(٣) المصدر : مركزهم.
(٤) المصدر : مرّوا.
(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٦) ر : فقلبوكم.