خلافه ـ.
وفي هذه الحالة يعدل المتكلم البليغ عن النفي الصريح للحكم إلى لسان النفي غير المباشر ، تجنّباً عن إثارة مشاعر المخاطب وأحاسيسه واختياراً لأحسن طرق التعبير مع الجمهور وأسهلها ، لجلبهم إلى المقاصد المنشودة حيث يشتدّ الارتباط الاحساسي في اذهانهم ويصعب تفكيك شمول الحكم وعزله عن بعض الحصص.
ويلاحظ أن منشأ الارتكاز الذهني لا يكون امراً ادراكيّاً محضاً كقيام عموم أو اطلاق ، لأَنّ ذلك بمجرده لا يستدعي مقاومة ذهنية للمخاطب في مقابل الدليل الحاكم ، بل يرتفع الاعتقاد الإدراكي بقيام ذلك.
وانما يكون منشأه امراً احساسياً يستوجب ثبوت المعنى في نفس المخاطب واستقراره في ذهنه وتعلقه به ، وذلك لأَحد أمور :
١ ـ شدة مناسبة الحكم والموضوع في الأَذهان ، كما لو اراد الشارع تحديد حكم وجوب اكرام العالم وكان المجتمع يرى انه لا يمكن ان يكون هناك عالم لا يجب اكرامه لما في نفوسهم من احساس الاحترام والتقدير بالنسبة إلى العلماء. وحينئذٍ لما كان الشارع لا يريد أن يجابه مثل هذه المرتكزات الذهنية بصورة علنية فانه يقول ( الفاسق ليس بعالم ).
ويمكن تخريج كثير من الامثلة السابقة في الامر الثاني على هذه النكتة وذلك من قبيل ( لا طلاق الا باشهاد ) فان استعمال هذا الاسلوب في هذه الجملة ربما كان بلحاظ شدّة المناسبة بين الطلاق الانشائي والطلاق الشرعي. وكذلك نفي المتعلق في ( لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) ربما كان باعتبار شدة التناسب بين الصلاة وبين المطلوبية شرعاً ، وهكذا نفي الحكم في ( رفع ما لا يعلمون ) ربما كان باعتبار ما انغرس في الاذهان من أن الحكم الشرعى يوجب الموافقة له عقلاً.