مصحّح للأمر بالقلع بتقريب : انّ المراد ب لفظ ( ضرار ) إنّما هو وسيلة الإضرار بالغير علىٰ سبيل إطلاق المصدر علىٰ الذات مبالغةً ك ( زيد عدل ) وعليه فيكون مفاد هذه الجملة أن كل شيء اتخذ وسيلة للاضرار بحيث لا يمكن رفع الضرر إلا بإزالته فيجب التصرف فيه بالاتلاف أو النقل أو غير ذلك ممّا يخرج عن صلاحية ذلك دفعاً لذلك.
وبناء علىٰ هذا الاحتمال يكون الارتباط بين الأمر بالقلع وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) واضحاً لأنّ بقاء نخلة سمرة في دار الأنصاري أصبح وسيلة لإضراره به ، ولم يكن بالامكان دفع الإضرار مع التحفّظ علىٰ النخلة ـ كما سوف يأتي توضيحه ـ فجاز قلع النخلة تطبيقاً ل ( لاضرار ) بناء علىٰ هذا التفسير.
وقد يؤيد هذا التفسير بقوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ) (١).
وشأن نزول الآية كما ذكر في التفسير (٢) انّ جماعة من المنافقين بنوا مسجداً للتفريق بين المسلمين وإيقاع الاختلاف بينهم علىٰ أن يصلي جماعة منهم في هذا المسجد وجماعة أُخرى في المسجد الذي كانوا يصلون فيه قبل ذلك ثم يوقعوا الاختلاف بين الفريقين لينتهي إلىٰ ضعف المؤمنين وتشتت كلمتهم في مقابل الكفار ، فنزلت الآية الشريفة تُخبر عن نواياهم وتنهىٰ عن القيام فيه ، وقد أمر النبي صلىاللهعليهوآله بعد ذلك بهدم المسجد وإحراقه لكونه وسيلة للإضرار.
وقد ذكر في إعراب قوله ( ضراراً ) وجوه : ( منها ) : أن يكون مفعولاً
__________________
(١) التوبة ٩ / ١٠٧.
(٢) لاحظ مجمع البيان ٣ / ٧٢ و ٧٣ طبعة المرعشي.