لأن ما بعدهما ليس غاية لما قبلهما ولا مسببا عنه ، وجعل ابن هشام من ذلك الحديث : «كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه هما اللّذان يهوّدانه أو ينصّرانه» إذ زمن الميلاد لا يتطاول فتكون «حتّى» فيه للغاية ، ولا كونه يولد على الفطرة علته اليهوديّة والنصرانية فتكون فيه للتعليل ، ولك أن تخرجه على أن فيه حذفا ، أي يولد على الفطرة ويستمرّ على ذلك حتى يكون.
______________________________________________________
أبير أهلك يقال : بار الرجل إذا هلك ، وأباره الله إذا أهلكه ، والغاية في البيت ممكنة أي : لا أترك ثأره إلى أن أقتل هذين الحيين ، فأترك حينئذ لحصول القصد بإهلاكهما ، وكذا التعليل ممكن أيضا أي : لا أترك الأخذ إلا أخذا بالثأر كي أقتل هذين الحيين ، والاستثناء فيه إنما يظهر مع الانقطاع كما في البيت الذي قبله ؛ (لأن ما بعدهما) أي : ما بعد حتى التي في البيت الأول وحتى التي في البيت الثاني ، وهو الجود مع القلة والإبارة لذينك الحيين (ليس غاية لما قبلهما) ، وهو انتفاء كون العطاء من الفضول سماحة في الأول والانقضاء وانتفاء ذهاب شيخه باطلا في الثاني ، (ولا مسببا عنه) وكلا هذين الأمرين في حيز المنع ، وقد بينا وجه ذلك في البيتين ، (وجعل ابن هشام من ذلك الحديث) المشهور وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : («كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه» (١) إذ زمن الميلاد لا يتطاول ، ويمتد فتكون حتى فيه للغاية ، ولا كونه يولد على الفطرة علته) بإضافة العلة إلى الضمير العائد على الكون المذكور ، أي : ولا علة كونه يولد على الفطرة هي (اليهودية والنصرانية فتكون) حتى (فيه للتعليل) فلم يبق إلا أن تكون فيه بمعنى إلا الاستثنائية ، والاستثناء منقطع فيما يظهر ، (ولك أن تخرجه على أن فيه حذفا أي : يولد على الفطرة ويستمر على ذلك حتى يكون) ، والتخريج متأت على وجه حسن ، بدون ارتكاب هذا الحذف ، وذلك بأن يجعل قوله : يولد صفة لمولود ، وقوله : على الفطرة ظرفا مستقرا خبر المبتدأ أي : كل مولود يولد مستقرا على الفطرة ، حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ، والمعنى : إن استقراره على الفطرة ممتد إلى أن يقع التهويد والتنصير ، فيزول ذلك الاستقرار حينئذ ، فإن قلت : فما فائدة هذه الصفة؟ قلت : فائدتها توكيد العموم كما في قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] ، حيث وصف دابة وطائر [ا] بما هو من خواص الجنس لبيان أن القصد منهما أي : الجنس دون الفرد ، وبهذا الاعتبار أفاد الوصف تأكيد العموم ، وكذا القول في يولد سواء ، وقد قال المصنف في أوائل
__________________
(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب ما قيل في أولاد المشركين (١٣٨٥) ، وأبو داود ، كتاب السنة ، باب في ذراري المشركين (٤٧١٤) ، وأحمد (٧١٤١).