ومنه الحديث أنه عليه الصلاة والسّلام قال : «أسامة أحبّ النّاس إليّ ما حاشى فاطمة» ، ما : نافية ، والمعنى أنه عليه الصلاة والسّلام لم يستثن فاطمة. وتوهّم ابن مالك أنّها «ما» المصدريّة ، و «حاشا» الاستثنائية ، بناء على أنه من كلامه عليه الصلاة والسّلام ، فاستدلّ به على أنه قد يقال : «قام القوم ما حاشا زيدا» ، كما قال [من الوافر] :
١٨٣ ـ رأيت النّاس ، ما حاشا قريشا |
|
فإنّا نحن أفضلهم فعالا |
ويردّه أنّ في معجم الطبراني : «ما حاشا فاطمة ولا غيرها» ، ودليل تصرّفه
______________________________________________________
كما تقول : لو ليت إذا قلت : لو لا ولا ليت إذا قلت : لا لا ، (وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسّلام قال : «أسامة أحب الناس إلي ما حاشا فاطمة» (١) ما نافية ، والمعنى أنه عليه الصلاة والسّلام لم يستثن فاطمة ، وتوهم ابن مالك أنها ما المصدرية وحاشا الاستثنائية ؛ بناء على أنه من كلامه عليه الصلاة والسّلام) فيكون قد استثنى فاطمة ، والمعنى أسامة أحب الناس إلي إلا فاطمة فإنه ليس أحب إلي منها ، فيحتمل أن تكون هي أحب إليه ، ويحتمل أن يكونا متساويين في الحب (فاستدل به على أنه قد يقال : قام القوم ما حاشا زيدا كما قال :
رأيت الناس ما حاشا قريشا |
|
فإنا نحن أفضلهم فعالا) (٢) |
الفعال بفتح الفاء الكرم ، وبكسرها جمع فعل كقدح وقداح ، والمعنيان جائزان في البيت ، والظاهر أن مفعول رأيت الثاني محذوف أي : دوننا ، ويحتمل أن يكون هو الجملة الاسمية والفاء زائدة على رأي الأخفش في مثل زيد فقائم ، (ويرده) أي : يرد الاستدلال المذكور (أن في معجم الطبراني) الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد منسوب إلى طبرية بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة ، وهي قصبة الأردن (ما حاشا فاطمة ولا غيرها) فزيادة لا بعد الواو لتأكيد النفي ، ويتعين حينئذ أن تكون ما نافية لا مصدرية كما توهمه ابن مالك ، ويكون هذا من كلام الراوي قلت : وهذا ليس بقاطع إذ يحتمل أن تكون لا نافية وغيرها منصوب بمحذوف لا معطوف على فاطمة ، والمعنى : ولا أستثني أنا غيرها فيكون من كلامه عليه الصلاة والسّلام ، ولا تعارض حينئذ بين رواية الطبراني وتلك الرواية المتقدمة فتأمله ، والحديث الذي أورده ابن مالك هو في مسند أبي أمية الطرسوسي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، (ودليل تصرفه) أي : تصرف
__________________
(١) أخرجه أحمد (٥٦٧٤) ، وذكره الطرسوسي في مسند عبد الله بن عمر ص ٤٧.
(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو للأخطل في خزانة الأدب ٣ / ٣٨٧ ، والدرر ٣ / ١٨٠ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٦٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٣.