ولكن وقع في كتب الحديث ما يقتضي أنها يجاب بها الاستفهام المجرّد ؛ ففي صحيح البخاري في «كتاب الإيمان» أنه عليه الصلاة والسّلام قال لأصحابه : «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قالوا : بلى ، قال : «فلا إذن». وفيه أيضا أنه قال «أنت الذي لقيتني بمكة؟» فقال له المجيب : بلى. وليس لهؤلاء أن يحتجّوا بذلك ، لأنه قيل فلا يتخرّج عليه التنزيل.
واعلم أن تسمية الاستفهام في الآية تقريرا عبارة جماعة ومرادهم أنه تقرير بما بعد
______________________________________________________
هؤلاء راعوا صورة النفي المنطوق به فأجيب ببلى حيث يراد إبطال النفي الواقع بعد الهمزة ، وجوزوا الجواب بنعم على أنه تصديق لمضمون الكلام جميعه الهمزة ومدخولها ، وهو إيجاب كما سلف ودعواه الاتفاق مناقش فيها ، أما إن أراد الإيجاب المجرد من النفي أصلا ورأسا فقد أسلفنا ما حكاه الرضي فيه من الخلاف.
وأما إن أراد ما هو أعم حتى يشمل التقرير المصاحب للنفي فالخلاف موجود ، ذكره المصنف عن الشلوبين وغيره في حرف النون ، وقد تقدم هنا أنهم أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رد ببلى ، (لكن وقع في كتب الحديث ما يقتضي أنها يجاب بها الاستفهام المجرد) عن النفي ، (ففي «صحيح البخاري» في كتاب الأيمان) والنذور (أنه عليه الصلاة والسّلام قال لأصحابه : أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قالوا : بلى) (١) ، ووجه ذكر الحديث في كتاب الإيمان أن في بقيته قال : «أفلا ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا : بلى قال : فو الذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة» (وفي «صحيح مسلم» في كتاب الهبة : أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء قال : بلى قال فلا إذن (٢) ، وفيه أيضا أنه عليه الصلاة والسّلام قال : أنت) وهذا على حذف همزة الاستفهام ، أي أأنت (الذي لقيتني بمكة فقال له المجيب : بلى) (٣) ، (ليس لهؤلاء) الجماعة (أن يحتجوا بذلك) في آية (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ؛ (لأنه قليل فلا يتخرج عليه التنزيل) ، وقد عرفت أن هؤلاء الجماعة في غنية عن هذا الاحتجاج ، وأن ما أورده المصنف عليهم غير وارد.
(واعلم أن تسمية الاستفهام في الآية تقريرا عبارة جماعة ، ومرادهم أنه تقرير بما بعد
__________________
(١) أخرجه البخاري ، كتاب الأيمان والنذور ، باب كيف كانت يمين النبي صلىاللهعليهوسلم (٦٦٤٢).
(٢) أخرجه مسلم ، كتاب الهبات ، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (١٦٢٣).
(٣) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب إسلام عمرو بن عبسة (٨٣٢).