ولأنّ التوكيد هنا ضائع ؛ إذ المأمورات بالتربّص لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهن ، بخلاف قولك : «زارني الخليفة نفسه» ؛ وإنما ذكر «الأنفس» هنا لزيادة البعث على التربّص ؛ لإشعاره بما يستنكفن منه طموح أنفسهنّ إلى الرجال.
* * *
تنبيه ـ مذهب البصريّين أن أحرف الجرّ لا ينوب بعضها عن بعض بقياس ، كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك ، وما أوهم ذلك فهو عندهم إمّا مؤوّل تأويلا يقبله اللفظ ، كما قيل في : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] : إن «في» ليست بمعنى «على» ، ولكن شبّه المصلوب لتمكّنه من الجذع بالحالّ في الشيء ؛ وإما على تضمين
______________________________________________________
في الفصل ، كما يكتفي بلا الزائدة في العطف نحو ما قمتم ولا زيد ، (ولأن التأكيد هنا ضائع إذ المأمورات بالتربص ، لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهن ، بخلاف قولك : زارين الخليفة) إذ قد يذهب الوهم إلى أن الزائر غلامه مثلا لا هو نفسه ، فإذا أكد مثل هذا النفس كان للتأكيد فائدة ، وهو رفع ذلك الأمر المتوهم ، وأما في الآية فليس كذلك ، ولقائل أن يمنع عدم ذهاب الوهم إلى أن المأمور بالتربص زمن العدة غير المطلقات ، فقد قال علماء الحنفية : إن الزوج إذا طلق الرابعة ثلاثا لا يتزوج الخامسة حتى تقتضي عدة هذه ، وكذا لو أراد نكاح أختها لم يجز له أن يتزوجها حتى تنقضي عدة الأخت المطلقة ، فقد أمر الزوج المطلق أن يتربص زمن العدة ، فلم لا يمكن ذهاب الوهم إلى أزواجهن فيرفع بذكر الأنفس ، (وإنما ذكر) الله تعالى (الأنفس هنا لزيادة البعث على التربص ، لإشعاره بما يستنكفن منه) أي : يستكبرن عنه (من طموح أنفسهن إلى الرجال) ، أي : تطلعها في ارتفاع من قولك : طمح بصره إلى كذا أي : ارتفع وهذا معنى كلام الزمخشري ، فإنه قال في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص ، وزيادة بعث ؛ لأن فيه ما يستنكفن منه فيحملهن على أن يتربصن ، وذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ، ويجبرنها على التربص.
(تنبيه : مذهب البصريين أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس ، كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك ، وما أوهم ذلك) أي : وقوع نيابة حرف جر عن حرف جر آخر (فهو عندهم إما مؤول تأويلا يقبله اللفظ كما قيل في) قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] إن في ليست بمعنى على كما يقوله جماعة ، (ولكن شبه المصلوب لتمسكه في الجذع بالحال في الشيء) فأتى بفي على طريق الاستعارة التبعية ، وفي «الكشاف» شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن الشيء الموعى في وعاية فلذلك قيل : (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (وأما على تضمين