شيخ الإسلام وعمدة الأنام ، علاّمة العصر ، قاضي القضاة جلال الدين البلقينيّ رحمهالله تعالى ، فعمل فيه كتابه «مواقع العلوم من مواقع النجوم» ، فنقّحه وهذّبه ، وقسّم أنواعه ورتّبه ، ولم يسبق إلى هذه المرتبة ، فإنه جعله نيّفا وخمسين نوعا ، منقسمة إلى ستة أقسام ، وتكلّم في كلّ نوع منها بالمتين من الكلام ، فكان كما قال الإمام أبو السعادات ابن الأثير في مقدّمة نهايته : كلّ مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ، ومبتدع أمرا لم يتقدّم فيه عليه ، فإنّه يكون قليلا ثم يكثر ، وصغيرا ثم يكبر.
فظهر لي استخراج أنواع لم يسبق إليها ، وزيادة مهمات لم يستوف الكلام عليها ، فجرّدت الهمة إلى وضع كتاب في هذا العلم ، وأجمع به إن شاء الله تعالى شوارده ، وأضمّ إليه فوائده ، وأنظم في سلكه فرائده ، لأكون في إيجاد هذا العلم ثاني اثنين..).
لقد بدأت المنهجية الموسوعية في التأليف مع مطلع القرن السابع الهجري ، وأخذت تتطور تدريجيا حتى بلغت أوجها في أيام السيوطي وعلى يديه ، ويستشف القارئ ذلك من نتاج علماء القرن السابع وما بعده ، ومن عناوين كتبهم التي ترمز للجمع والاستقصاء ك : «جامع الأصول «لابن الأثير الجزري (ت ٦٠٦ ه) و «الكامل في التاريخ» لعز الدين ابن الأثير (ت ٦٣٠ ه) و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ت ٦٧١ ه) و «المجموع» للنووي (ت ٦٧٦ ه) و «لسان العرب» لابن منظور (ت ٧١١ ه) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (ت ٧٤٨ ه) و «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ت ٨١٧ ه) و «مجمع الزوائد» للهيثمي (ت ٩٠٢ ه) وغيرها.
بعد أن عرفنا منهجية السيوطي في تآليفه ، وروح العصر التي كانت سائدة على علماء عصره ، ننتقل للكلام عن كتابه «الإتقان» لنرى مدى تطبيق هذه المنهجية فيه ، ومدى اعتماده على «البرهان».
ذكر السيوطي في مقدمة «الإتقان» (١) الدافع له على تأليفه وهو ندرة الكتب المؤلفة في هذا العلم ، وعدم شموليتها ، وأنه وضع كتابا قبله هو «التحبير في علوم التفسير» ، وأنه لما عزم على تأليف «الإتقان» سمع بالبرهان للزركشي ، واعتمد عليه في تأليف
__________________
(١) الإتقان ١ / ٤ ـ ١٤.