(البقرة : ١٨٥) وقال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر : ١) ، ثم كان ينزل مفرّقا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم مدة حياته عند الحاجة ؛ كما قال تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (الإسراء : ١٠٦) فترتيب النزول غير ترتيب التلاوة ؛ وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة ، ورحمة من الله على عباده ، وتسهيلا وتحقيقا لوعده بحفظه ؛ كما قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) وزال بذلك (١) الاختلاف ، واتفقت (١) الكلمة.
قال أبو عبد الرحمن السلميّ (٢) : «كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة ، كانوا يقرءون القراءة العامة ، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٣) على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه ، وكان زيد [قد] (٤) شهد العرضة الأخيرة ، وكان يقرئ الناس بها حتى مات ، ولذلك اعتمده الصديق في جمعه ، وولاّه عثمان كتبة المصحف».
وقال أبو الحسين بن فارس (٥) في «المسائل الخمس» : «جمع القرآن على ضربين : أحدهما تأليف السّور ، كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين ؛ فهذا الضرب هو الذي تولته الصحابة وأما الجمع الآخر وهو جمع الآيات في السور فهو توقيفيّ تولاّه النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال الحاكم في المستدرك : «وقد روي حديث عبد الرحمن بن شماسة (٦) عن زيد بن ثابت قال : كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم نؤلّف [٣٤ / أ] القرآن من الرقاع... الحديث (٧) ، قال : وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة ، فقد جمع بعضه بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم
__________________
(١) في المخطوطة : (الخلاف واختلفت).
(٢) هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي المقرئ التابعي ، روى عن عثمان وعلي وابن مسعود توفي سنة ٧٢ ه (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٥ / ١٨٤) وانظر قوله في المرشد الوجيز ص : ٦٨.
(٣) في المخطوطة زيادة (كانوا يقرءون) في هذا الموضع.
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) هو أحمد بن فارس بن زكريا تقدم ذكره ص ١٩١ وذكر له كتاب «المسائل» السيوطي في بغية الوعاة ١ / ٣٥٢.
(٦) تصحّف الاسم في المطبوعة والمخطوطة إلى : (شماس) والتصويب ما أثبتناه من التهذيب ٦ / ١٩٥.
(٧) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٢٢٩ كتاب التفسير ، باب جمع القرآن لم يكن مرة واحدة ، وأخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٨٥ ، وأخرجه الترمذي في السنن ٥ / ٧٣٤ ، كتاب المناقب (٥٠) ، باب فضل الشأم واليمن (٧٥) ، الحديث (٣٩٥٤) ، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٧ / ١٤٧.