يميّزان بأن يقال : زيد الفقيه ، وزيد النحويّ ، فكذلك إذا قرأ [القارئ] (١) : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ) (البقرة) فقد ميّزها عن (الم* اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ [الْحَيُّ الْقَيُّومُ]) (١) (آل عمران).
السادس : أنّ لكل كتاب سرّا ، وسرّ القرآن فواتح السور ، قال ابن فارس : وأظن قائل ذلك أراد أنه من السّر الذي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم. واختاره جماعة ، منهم أبو حاتم بن حبان (٢).
قلت : وقد استخرج بعض أئمة المغرب من قوله تعالى : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ) (الروم) فتوح بيت المقدس واستنقاذه من العدو في سنة معيّنة ، وكان كما قال.
السابع : أن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه ، وقال بعضهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) (فصلت : ٢٦) فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه ، ويكون تعجّبهم سببا لاستماعهم ، واستماعهم له سببا لاستماع ما بعده ، فترقّ القلوب وتلين الأفئدة.
الثامن : أنّ هذه الحروف ذكرت لتدلّ على أن القرآن مؤلف من الحروف التي هي : ا ، ب ، ت ، ث ،... فجاء بعضها مقطّعا ، وجاء تمامها مؤلفا ، ليدلّ القوم الّذين نزل القرآن بلغتهم أنه بالحروف التي يعقلونها ، (٣) [فيكون ذلك تقريعا لهم ودلالة على عجزهم أن يأتوا بمثله بعد أن علموا أنه منزل بالحروف التي يعرفونها] (٣) ، ويبنون كلامهم منها.
التاسع : واختاره ابن فارس وغيره أن تجعل هذه التأويلات كلها تأويلا واحدا ؛ فيقال : إن الله جل وعلا افتتح السور بهذه الحروف إرادة منه للدلالة بكل حرف [٢٤ / أ] منها على معان كثيرة ، لا على معنى واحد ، فتكون هذه الحروف جامعة لأن (٤) تكون افتتاحا ، وأن يكون
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) هو محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم البستي الشافعي صاحب الصحيح كان حافظا ثبتا إماما حجة. أحد أوعية العلم. صاحب تصانيف سمع أبا خليفة الجمحي والنّسائي وطبقتهما. ومنه الحاكم وطبقته. كان عالما في الحديث والفقه واللغة والوعظ حتى الطب والنجوم والكلام. ولي قضاء سمرقند. قال الخطيب : كان ثقة نبيلا. توفي سنة (٣٥٤) ببست (ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب ٣ / ١٦).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة وأثبتناه من المخطوطة ومن عبارة «الصاحبي».
(٤) تصحّفت في المخطوطة إلى (لا).