اعلم أن سور القرآن العظيم مائة وأربع عشرة سورة ؛ وفيها يلغز فيقال : أيّ شيء إذا عددته زاد على المائة ؛ وإذا عددت نصفه كان دون العشرين؟.
وقد افتتح سبحانه وتعالى كتابه العزيز بعشرة أنواع من الكلام ؛ لا يخرج شيء من السّور عنها.
الأول : استفتاحه بالثناء عليه عزوجل
والثناء (١) قسمان : إثبات لصفات المدح ؛ ونفي وتنزيه من صفات النقص.
فالإثبات نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (٢) [في خمس سور (٣) ، و: (تبارك) في سورتين : الفرقان] (٢) : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) (الآية : ١) ، [والملك] (٤) : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) (الآية : ١).
والتنزيه نحو : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) (الإسراء : ١) ، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى : ١) (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) (الحديد : ١ ، والحشر : ١ ، والصف : ١) ، (يُسَبِّحُ لِلَّهِ) (الجمعة والتغابن) ، كلاهما في سبع (٥) سور ، فهذه أربع عشرة سورة استفتحت بالثناء على الله : نصفها لثبوت صفات الكمال ، ونصفها لسلب النقائص.
قلت : وهو سرّ عظيم من أسرار الألوهية. قال صاحب «العجائب» (٦) : (سَبَّحَ لِلَّهِ) هذه كلمة استأثر الله بها ؛ فبدأ بالمصدر منها في بني إسرائيل لأنه الأصل ؛ ثم الماضي
__________________
(١) في المخطوطة : (والثاني).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٣) وهي الفاتحة : ٢ ، والأنعام : ١ ، والكهف : ١ ، وسبأ : ١ ، وفاطر : ١.
(٤) زيادة من المطبوعة يقتضيها النص.
(٥) في المخطوطة (خمس) والصواب أنها سبع ، وانظر «الإتقان في علوم القرآن» ٣ / ٣١٦.
(٦) «غرائب التفسير وعجائب التأويل» لتاج القراء محمود بن حمزة الكرماني مخطوط في دار الكتب المصرية رقم ٤٩٢ تفسير ويقوم بتحقيقه شمران سركال يونس العجلي كرسالة دكتوراه في كلية الآداب ـ جامعة عين شمس (انظر أخبار التراث العربي ٤ / ٢٢).