المؤثر قادر مختار [١٣ / أ] ، وهذا هو المراد من قوله : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (النحل : ١٣) ، كأنّه [قيل] (١) : قد ذكر [نا] (١) ما يرسخ في عقلك أن الموجب بالذات والطبع لا يختلف تأثيره ، فإذا نظرت [إلى] (١) حصول هذا الاختلاف علمت أنّ المؤثر ليس هو الطبائع ، بل الفاعل المختار ، فلهذا جعل مقطع الآية التذكّر.
تنبيه
من بديع هذا النوع اختلاف الفاصلتين في موضعين والمحدّث عنه واحد لنكتة لطيفة.
وذلك قوله تعالى في سورة إبراهيم : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (الآية : ٣٤) ، ثم قال في سورة النحل : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٨).
قال القاضي ناصر الدين بن المنيّر (٢) في «تفسيره الكبير» : «كأنه يقول : إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها ؛ فحصل لك عند أخذها وصفان : كونك ظلوما ، وكونك كفارا ، ولي عند إعطائها وصفان ، وهما : أني غفور رحيم ، أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي ، فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوفير ، ولا أجازي جفاءك إلا بالوفاء» انتهى.
وهو حسن ، لكن بقي سؤال آخر ، وهو : ما الحكمة في تخصيص آية النحل بوصف المنعم ، وآية إبراهيم بوصف المنعم عليه؟ والجواب أن سياق الآية في سورة إبراهيم ، في وصف الإنسان وما جبل عليه ؛ فناسب ذكر ذلك عقيب أوصافه. وأما آية النحل فسيقت في
__________________
(١) من المطبوعة.
(٢) هو أحمد بن محمد بن منصور المعروف بناصر الدين ابن المنيّر ، كان إماما بارعا في الفقه ، وله اليد الطولى في علم النظر والبلاغة والإنشاء والباع الطويل في علم التفسير والقراءات وكان علامة الاسكندرية ، وفاضلها كان الشيخ العز بن عبد السلام يقول : «الديار المصرية» تفتخر برجلين في طرفيها. ابن دقيق العيد بقوص وابن المنير بالاسكندرية من تصانيفه الجليلة «تفسير القرآن العظيم» و «الانتصاف من الكشاف» وغيرها. توفي سنة ٦٨٣ (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ٨٨) وتفسيره المسمّى «البحر الكبير في بحث التفسير» يوجد منه نسخة خطية في مكتبة (غوتا) بألمانيا الغربية : ٥٣٤ ، ونسخة خطية أخرى في دار الكتب المصرية رقم (٦٠) تفسير ، (بروكلمان) ، تاريخ الأدب العربي بالألمانية ١ / ٧٣٨). ويوجد منه نسخة مصورة بمعهد المخطوطات القاهرة رقم (٣٣) تفسير.