اعتبرت افتتاح كلّ سورة وجدته (١) في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها ؛ ثم هو يخفي تارة ويظهر أخرى ؛ كافتتاح سورة الأنعام بالحمد ، فإنه مناسب لختام سورة المائدة من فصل القضاء ؛ كما قال سبحانه : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الزمر : ٧٥) وكافتتاح سورة فاطر ب (الْحَمْدُ) أيضا ؛ فإنه مناسب لختام ما قبلها من قوله : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) [٦ / أ](كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) (سبأ : ٥٤) ؛ [و] (٢) كما قال تعالى : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الأنعام : ٤٥).
وكافتتاح سورة الحديد بالتسبيح ، فإنه مناسب لختام سورة الواقعة ، للأمر به (٣).
وكافتتاح [سورة] (٤) البقرة بقوله : (الم* [ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ]) (٥) (الآية : ١ و ٢) [فإنه] (٦) إشارة إلى (الصِّراطَ) في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة : ٦) ؛ كأنهم لما سألوا الهداية إلى (الصِّراطَ [الْمُسْتَقِيمَ]) (٧) قيل لهم : ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو (الْكِتابُ) وهذا معنى حسن يظهر فيه ارتباط سورة البقرة بالفاتحة ؛ وهو يردّ سؤال الزمخشري (٨) في ذلك.
وتأمّل ارتباط سورة لإيلاف قريش بسورة الفيل ؛ حتى قال الأخفش (٩) : اتصالها [بها] (١٠) من باب قوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (القصص : ٨).
ومن لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها ؛ لأن السابقة [قد] (١٠) وصف الله فيها المنافق بأمور أربعة : البخل ، وترك الصلاة ، والرياء فيها ، ومنع الزكاة ؛ فذكر هنا في مقابلة البخل : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (الكوثر : ١) أي الكثير. وفي مقابلة ترك الصلاة
__________________
(١) في المخطوطة (وجدت).
(٢) زيادة من المطبوعة.
(٣) في المطبوعة (من الأمر به).
(٤) ساقطة من المطبوعة.
(٥) زيادة من المطبوعة.
(٦) ساقطة من المطبوعة.
(٧) زيادة من المطبوعة.
(٨) هو محمود بن عمر ، أبو القاسم صاحب «الكشاف» ، تقدمت ترجمته ص ١٠٥.
(٩) هو الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري. تلميذ سيبويه ، كان عالما صادقا ثقة فيما يروي من العلماء وتتلمذ على يديه الكثير من العلماء. وله الكثير من المصنفات منها : كتاب «الأوسط في النحو» و «المقاييس» و «الاشتقاق» وغيرها توفي سنة ٢١١ (ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٠٦).
(١٠) زيادة من المطبوعة.