أما عسره فظاهر من وجوه ؛ أظهرها أنه كلام متكلّم لم يصل الناس إلى مراده بالسّماع منه ، ولا إمكان للوصول إليه ، بخلاف الأمثال والأشعار ؛ فإن الإنسان يمكن علمه بمراد المتكلم (١) بأن يسمع منه أو يسمع ممن سمع منه [و] أما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول عليهالسلام ، وذلك متعذّر إلاّ في آيات قلائل. فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل ، والحكمة فيه أنّ الله تعالى أراد أن يتفكّر عباده في كتابه ؛ فلم يأمر نبيّه بالتنصيص على [٣ / أ] المراد ؛ وإنما هو عليهالسلام صوّب رأي جماعة من المفسّرين ، فصار ذلك دليلا قاطعا على جواز التفسير من غير سماع من الله ورسوله» قال : «واعلم أن بعض الناس يفتخر ويقول : كتبت هذا وما طالعت شيئا من الكتب ، ويظن أنه فخر ؛ ولا يعلم أن ذلك غاية النقص ؛ فإنّه لا يعلم مزية ما قاله على ما قيل ، ولا مزية ما قيل على ما قاله ، فبما ذا يفتخر! ومع هذا ما كتبت شيئا إلا خائفا من الله مستعينا به ، معتمدا عليه ؛ فما كان حسنا فمن الله وبفضله (٢) [بوسيلة مطالعة كلام عباد الله الصالحين] (٣) وما كان ضعيفا فمن النفس الأمّارة بالسوء».
فصل
ذكر القاضي أبو بكر ابن العربي (٤) في كتاب «قانون التأويل» : «إن علوم القرآن خمسون علما وأربعمائة وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم (٥) ، على عدد كلم القرآن ،
__________________
(١) العبارة في المخطوطة : (ثمة إذا تكلم).
(٢) في المطبوعة : (وفضله).
(٣) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٤) هو محمد بن عبد الله بن محمد أبو بكر ابن العربي الإشبيلي ولد سنة (٤٦٨) كان أبوه من فقهاء إشبيلية ورؤسائها. قرأ القاضي أبو بكر القراءات ولقي بالشام أبا نصر المقدسي وأبا حامد الغزالي وغيرهما. ودخل بغداد وسمع من علمائها. وله تصانيف حسنة منها : «أحكام القرآن» توفي سنة ٥٤٣. (الداودي ، طبقات المفسرين ٢ / ١٦٢). وكتابه «قانون التأويل في التفسير» ، يوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية ١ (١) ، ١٨٨ و ٢ (١) ، ٥٧ ونسخة خطية في المكتبة الإسكوريال ٢ : ١٢٦٤. ونسخة بفاس ١٧٢ (٣). (بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي بالألمانية ١ / ٤١٢ ، والذيل ١ / ٧٣٢) ، ويوجد منه صورة بمعهد المخطوطات بالقاهرة رقم (١٦٤) و (١٦٥) عن نسخة دار الكتب (معجم الدراسات القرآنية ص ٣٢٥).
(٥) في المخطوطة (علما).