و «كأنّه حائك» ، قال : «على أن لفظ «حائك» في غاية الركاكة إذا أخرج على ما أخرجه أبو تمام في قوله : [من الطويل]
إذا الغيث غادى نسجه خلت أنّه |
|
خلت حقب حرس له وهو حائك (١) |
قال : وهذا قبيح جدّا».
والذي قاله البحتري : «فحاك ما حاك» ، حسن مستعمل ، والسبب في هذا الذي قاله أنه ذهب إلى أنّ غرض أبي تمّام أن يقصد «بخلت» إلى «الحوك» ، وأنه أراد أن يقول : «خلت الغيث حائكا» ، وذلك سهو منه ، لأنه لم يقصد «بخلت» إلى ذلك ، وإنما قصد أن يقول : إنّه يظهر في غداة يوم من حوك الغيث ونسجه بالذي ترى العيون من بدائع الأنوار وغرائب الأزهار ، ما يتوهّم معه أن الغيث كان في فعل ذلك وفي نسجه وحوكه ، حقبا من الدهر. فالخيلولة واقعة على كون زمان الحوك حقبا ، لا على كون ما فعله الغيث حوكا ، فاعرفه.
وممّا يدخل في ذلك ما حكي عن الصّاحب من أنه قال : «كان الأستاذ أبو الفضل (٢) يختار من شعر ابن الرومي وينقّط عليه ، قال فدفع إليّ القصيدة التي أوّلها : [من الطويل]
أتحت ضلوعي جمرة تتوقّد (٣)
وقال : تأمّلها فتأمّلتها ، فكان قد ترك خير بيت فيها ، وهو : [من الطويل]
بجهل كجهل السّيف والسّيف منتضى |
|
وحلم كحلم السّيف والسّيف مغمد (٤) |
فقلت : لم ترك الأستاذ هذا البيت؟ فقال : لعلّ القلم تجاوزه؟» قال : «ثم رآني من بعد فاعتذر بعذر كان شرّا من تركه. قال : إنما تركته لأنه أعاد السيف أربع مرات. قال الصاحب : لو لم يعده أربع مرّات فقال : «بجهل كجهل السيف وهو منتضى ، حلم كحلم السيف وهو مغمد» ، لفسد البيت.
__________________
(١) البيت في ديوانه (٢١١) من قصيدة في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري ، ومطلعها :
قرى دارهم الدموع السوافك |
|
وإن عاد صبحي بعدهم وهو حالك |
وإن بكرت في ظعنهم وحدوجهم |
|
زيانب من أحبابنا وعواقك |
الحقبة : مدة من الدهر ، الحرس : الدهر.
(٢) يعني ابن العميد. والصاحب يعني ابن عباد. و «ينقط عليه» يضع نقطة علامة على اختياره.
(٣) (الديوان ٢ / ٤٨٤).
(٤) هو في ديوانه القصيدة في (٥٨٤).