فقال صلىاللهعليهوسلم : أجدت ، لا يفضض الله فاك. قال الراوي : فنظرت إليه ، فكأنّ فاه البرد المنهلّ ، ما سقطت له سنّ ولا انفلّت ، ترفّ غروبه (١).
ومن ذلك حديث كعب بن زهير. روي أن كعبا وأخاه بجيرا خرجا إلى رسول صلىاللهعليهوسلم حتى بلغا أبرق العزّاف (٢) ، فقال كعب لبجير : الق هذا الرجل وأنا مقيم هاهنا ، فانظر ما يقول. وقدم بجير على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فعرض عليه الإسلام فأسلم ، وبلغ ذلك كعبا ، فقال فى ذلك شعرا ، فأهدر النبي صلىاللهعليهوسلم دمه فكتب إليه بجبر يأمره أن يسلم ويقبل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ويقول إنّ من شهد أن لا الله وأن محمدا رسول الله ، قبل منه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأسقط ما كان قبل ذلك قال : فقدم كعب وأنشد النبي صلىاللهعليهوسلم قصيدته المعروفة :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول |
|
متيّم إثرها ، لم يفد ، مغلول |
وما سعاد غداة البين إذ رحلت |
|
إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول |
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت |
|
كأنّه منهل بالرّاح معلول |
سحّ السّقاة عليها ماء محنية |
|
من ماء أبطح أضحى وهو مشمول |
ويلمها خلّة لو أنّها صدقت |
|
موعودها ، أو لو أنّ النّصح مقبول (٣) |
__________________
(١) انفلّت : أي انكسرت. رفّ : برق وتلألأ. غروب : حدة الأسنان ترف غروبه : تتلألأ أسنانه. اه الصحاح : مادة / فلّ / (٢ / ٢٦٠) ، مادة / غرب / (٢ / ١٩١) ، مادة / رفف / (١ / ٤٩٦).
(٢) وهو ماء لبني أسد بين البصرة والمدينة ١ / ٦٨ ، ٤ / ١٠٨ (معجم البلدان). والخبر موجود في السيرة النبوية.
(٣) الأبيات من ديوان كعب بن زهير ، وانظر طبقات فحول الشعراء رقم (١١٧ ، ١١٨) ، وفي الأغاني (١٧ / ٨٥ ـ ٩٤). وجاء البيت الأول في الأغاني بقافية مخالفة وهي «مكبول» المقصود : المكبّل بالقيد. والتبل : أن يسقم الهوى الإنسان ، وقيل : تبله تبلا : ذهب بعقله. انظر اللسان (تبل). متيّم : التّيم : أن يستعبده الهوى ، ورجل متيّم. وقيل التّيم : ذهاب العقل وفساده. اللسان (تيم). البين : الفراق. اللسان (بين). أغنّ : ظبي صغير في صوته حسن. مكحول : بعينيه كحل. تجلو : تصقل وتكشف. العوارض : جمع عارضة : الأسنان. ظلم : ماء الأسنان وبريقها ورقتها ، المنهل : الشرب الأوّل. الرّاح : الخمر ، اسم لها. اللسان (روح). وجاء البيت الرابع منها من رواية مشهورة بلفظ :
شجت بذى شيم من ماء محنية |
|
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول |
وسحّ : صبّ الماء صبّا متتابعا. المحنية من الوادي : منعرجه حيث ينعطف عن السّند. اللسان : مادة (حنا). أبطح : من البطح : البسط ، والأبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، والأبطح قد يعني : أبطح مكة ، والخلة : كل نبت حلو ، وقيل : الأرض التي لا حمض بها ، وقيل : خبز الإبل. انظر اللسان (بطح) ، (خلل) ، وانظر الإسعاد (شرح بانت سعاد).