فوضع «لتغني» موضع «لتغنينّ عني ذا إنائك».
وهذا لا حجة فيه ، لاحتمال أن يكون الجواب محذوفا فيكون التقدير : قال : بالله حلفة لتشربنّ لتغني عني ذا إنائك أجمعا ، ويكون «لتغني» متعلّقا بالفعل المضمر الذي هو : لتشربنّ. فكأنّه قال : لتشربنّ لتكفيني باقي إنائك وكذلك أيضا استدلّ بقوله تعالى : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) (١). جعل «لتصغى» جوابا لقسم محذوف كأنه قال : والله لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون ، أي : لتصغينّ.
والذي دعاه إلى ذلك أنّه ليس معه ما يعطف عليه قوله : ولتصغى ، لأنّه متصل بقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) (٢). الآية. وليس في ذلك
______________________
ـ والدرر ٤ / ٢١٧ ؛ ومجالس ثعلب ص ٦٠٦ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٣٥٤ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٩ ، ٨٣٠ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٨ ؛ والمقرب ٢ / ٧٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٤١.
اللغة : قدني : اسم بمعنى حسبي ، أو اسم فعل مضارع بمعنى يكفيني. حلفة : المرّة من الحلف أي القسم واليمين. تغني عني : تصرف وتكفّ. ذا إنائك : صاحب وعائك ، وهو الشراب أو اللبن.
المعنى : إذا قلت لمضيفي : يكفيني ما شربت ، حلف عليّ بالله مرّة : لا بدّ أن تصرف عني كلّ ما في وعائك ، أي أن تشربه جميعا.
الإعراب : إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان ، متضمّن معنى الشرط يتعلق بالجواب (قال). قلت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. قدني : «قد» : اسم فعل مضارع بمعنى يكفيني ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «فاعله» : ضمير مستتر تقديره (هو). قال : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بالله : جار ومجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف ، ويمكن تعليقهما بـ (قال) على تضمينه معنى (حلف) ، وتكون (حلفة) نائب مفعول مطلق. حلفة : مفعول مطلق منصوب بالفتحة ، بتقدير : (أحلف بالله حلفة). لتغني : «اللام» : حرف جرّ وتعليل ، «تغني» : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (تغني) مجرور باللام والجار والمجرور متعلقان بفعل (تشرب) المقدر ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). عني : جار ومجرور متعلقان بـ (تغني). ذا : مفعول به منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. إنائك : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. أجمعا : توكيد (ذا) منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.
وجملة «إذا قلت قال» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «قدني» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «قال» : جواب (إذا) لا محلّ لها. وجملة «أحلف بالله» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «تغني» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «قلت» : مضاف إليها محلها الجر.
والشاهد فيه قوله : «بالله ... لتغني» حيث زعم الأخفش أن لام التعليل الجارة ، وقعت في جواب القسم ، فجاءت «لتغني» في موضع «لتغنينّ».
(١) الأنعام : ١١٣.
(٢) الأنعام : ١١٢.
جمل الزجاجي / ج ١ / م ٣٥