فوضع «حلقكم» في موضع «حلوقكم» وهو معرفة. وقوله [من الطويل] :
٣٤٥ ـ بها جيف الحسرى فأمّا عظامها |
|
فبيض وأمّا جلدها فصليت |
يريد : جلودها ، فأوقع «جلدها» موقع «جلودها» وهو معرفة ، فضرورة لا يلتفت إليها.
وأما التزام كون الكلام غير موجب ، فلأنك إذا قلت : «ما جاء من رجل» ، فقد نفيت أن يجيئك رجل واحد ، وقد نفيت أيضا أن يجيئك أكثر من واحد ، ولو قلت على هذا : «جاء من رجل» ، لزمك أن يكون قولك : «من رجل» ، على حدّه بعد النفي ، فتكون كأنك قلت في حين واحد : «جاءني رجل وحده» ، و «لم يجئني رجل وحده بل أكثر من رجل واحد» ، وذلك متناقض لأنّه يلزمك اجتماع الضدين في الواجب ، وهو مجيء الرجل وحده مع غيره ، ولا يلزم ذلك في غير الواجب إذ قد يجوز اجتماع الأضداد فيما ليس بواجب ، ألا ترى أنّك تقول : «ما زيد أبيض ولا أسود» ، ولو قلت : زيد أبيض وأسود ، لم يتصور ذلك.
______________________
٣٤٥ ـ التخريج : البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٤٠ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٥٥٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٣٤ ؛ وشرح اختيارات المفضل ص ١٥٨٨ ؛ والكتاب ١ / ٢٠٩ ؛ والمقتضب ٢ / ١٧٣ ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٥٠.
اللغة : جيف : جمع جيفة وهي الجثّة المنتنة. الحسرى : جمع حسير ، وهي الناقة التي أعيت أصحابها فتركوها فماتت. الصليب : الجلد اليابس الذي لم يدبغ.
المعنى : يصف الشاعر طريقا طويلة قطعها للوصول إلى الممدوح فيقول : إن بها أي الطريق جثث الإبل المتروكة التي ابيضّ عظمها بعد ما اهترأ اللحم وبقي الجلد يابسا متكوما بجانب العظم.
الإعراب : بها : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف. جيف : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمّة. الحسرى : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة. فأمّا : «الفاء» : استئنافية ، «أمّا» : حرف شرط وتفصيل وتوكيد. عظامها : مبتدأ مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. فبيض : «الفاء» : واقعة في جواب (أما) ، «بيض» : خبر مرفوع للمبتدأ (عظامها). وأما : «الواو» : عاطفة ، «أما» : حرف تفصيل. جلدها : مبتدأ مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. فصليب : «الفاء» : واقعة في جواب (أما) ، «صليب» : خبر مرفوع للمبتدأ (جلدها).
وجملة «بها جيف» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «عظامها بيض» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «جلدها صليب» : معطوفة على (عظامها بيض).
والشاهد فيه قوله : «جلدها» حيث أراد : جلودها.