وكذلك سائر الظروف والمجرورات ، ألا ترى أنّ «عندك» ليس بزيد ، وكذلك «في الدار» ليس أيضا بزيد. لكنهما نزّلا منزلة «كائن» و «مستقر» الذي هو الأول.
وفي جعل الظروف والمجرورات من حيّز المفردات خلاف ، فمنهم من ذهب إلى أنّها من حيّز الجمل ، واستدلّ على ذلك بوصل المرصولات بهما ، نحو : «جاءني الذي عندك ، والذي في الدار» ، والموصولات لا توصل إلا بالجمل. ومنهم من ذهب إلى أنه يجوز فيهما أن يكونا من حيّز الجمل وأن يكونا من حيّز المفردات وجعل ذلك على حسب العامل فيهما الذي نابا منابه ، فإذا قلت : «زيد في الدار» ، إن قدّرت أصل المسألة : «زيد مستقرّ في الدار» ، كان من حيّز المفردات لنيابته مناب المفرد ، وإن قدّرت أصل المسألة : «زيد استقرّ في الدار» ، كان من حيّز الجملة لنيابته مناب الجملة.
ومنهم من جعله قسما برأسه ليس من حيّز الجمل ولا من حيّز المفردات ، وهو مذهب أبي بكر بن السراج. واستدل على ذلك بأنك تقول : «إنّ في الدار زيدا» ، ولو كان بمنزلة «مستقرّ» أو «استقرّ» ، لم يجز تقديمه على اسم «إنّ» كما لا يجوز تقديمها عليه ، حكى ذلك عنه الفارسي في الشيرازيات (١) ، والصحيح أنّه من قبيل المفردات لأنه لا يحتمل الصدق والكذب.
وأما الجمل فتنقسم قسمين : اسمية وفعلية ، فالاسميّة هي جملة المبتدأ والخبر أو ما أصله المبتدأ والخبر بشرط أن يكون الناسخ للابتداء الحرف. والفعلية هي الجملة التي صدرها الفعل.
ويشترط في الجملة أن يكون فيها ضمير يعود على المبتدأ ، نحو : «زيد أبوه قائم» ، أو تكرار المبتدأ ، نحو : «زيد قائم زيد» ، ومنه قوله [من الكامل] :
٢٢٩ ـ ليت الغراب غداة ينعب دائما |
|
كان الغراب مقطّع الأوداج |
______________________
(١) هي المسائل التي كتبها الفارسيّ وهو في شيراز.
٢٢٩ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ١ / ١٣٦.
اللغة : ينعب : يصيح. الأوداج : جمع ودج وهو عرق في العنق. ـ