يريد : سليمان عليهالسلام.
وزعم الفراء أنّ «ذهبت» تصل بنفسها إلى أسماء الأماكن ، نحو : «عمان» ، و «خراسان» ، و «العراق» وأمثال ذلك ، فتقول : «ذهبت عمان» ، و «ذهبت العراق» ، وحكى ذلك عن العرب.
وأهل البصرة لا يحفظون ذلك ، لكنه عندي يحتمل أن يكون قد سمع ذلك في المنظوم ، فقاس عليه النثر ، لأنّ الكوفيين كثيرا ما يفعلون هذا ، أعني أنهم يجيزون في الكلام ما لا يحفظ إلّا في الشعر. فإذا تبيّن أنّ هذا مذهبه ، لم يصرّح هل سمع ذلك في الكلام أو في الشعر ، لم يكن في ذلك حجة ، لا سيما والذي حكى أهل البصرة في عمان ونجران والعراق وأمثالها وصول الفعل إليها بواسطة «في» إذا أردت بها معنى الظرفية.
فإن عدّيت الفعل إلى ضمير المصدر أوصلت الفعل إليه بنفسه فقلت : «ضربته زيدا» ، تريد : ضربت الضرب زيدا.
وأما الحال فلا تضمر لأنّها لا تكون إلّا نكرة مشتقة ، والضمير ليس كذلك ، وأمّا ظرف الزمان وظرف المكان فلا يصل الفعل إلى ضميرهما إلّا بواسطة «في». وذلك أنّ الأصل في الظروف كلّها أن يصل الفعل إليها بواسطة «في» ، لأنّ الفعل لا يطلبها إلّا على معنى الوعاء ، وحرف الوعاء هو «في» ، والضمائر تردّ الأشياء إلى أصولها ، وسنبيّن ذلك في غير موضع إن شاء الله تعالى ، فلذلك لم يصل الفعل إلى ضميرها إلا بـ «في». فإن قيل :
______________________
ـ الإعراب : ودعا : «الواو» : حسب ما قبلها ، «دعا» : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بمحكمة : جار ومجرور متعلقان بـ (دعا). أمين : صفة لـ (محكمة) مجرورة بالكسرة. نسجها : نائب فاعل لـ (أمين) لأنه بمعنى (مأمون) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. من نسج : جار ومجرور متعلقان بصفة لـ (محكمة). داود : مضاف إليه مجرور بالكسرة للضرورة. أبي : صفة (داود) مجرورة بالياء لأنه من الأسماء الستّة. سلام : مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «دعا» : بحسب ما قبلها.
والشاهد فيه قوله : «سلام» حيث أراد «سليمان» فحرّفها إلى (سلّام).