يريد : وتحسب حبهم عارا عليّ ، فحذف لدلالة ما تقدم.
وأما حذفهما حذف اقتصار ففيه ثلاثة مذاهب للنحويين : منهم من منع وهو الأخفش ومن أخذ بمذهبه ، ومنهم من أجاز وعليه أكثر النحويين ، ومنهم من فصّل فأجاز في «ظننت» وما في معناها ومنع في «علمت» وما في معناها ، وهو مذهب الأعلم ومن أخذ بمذهبه.
فأما الأخفش فحجّته أنّ هذه الأفعال قد تجري مجرى القسم ومفعولاتها مجرى جواب القسم ، والدليل على ذلك أنّ العرب تتلقاها بما تتلقى به القسم. قال الله تعالى : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (١) ، فأجرى «ظنّ» مجرى والله ، كأنّه قال : والله ما لهم من محيص. ومثل ذلك كثير. فكما لا يبقى القسم دون جواب ، فكذلك لا تستغني هذه الأفعال عن مفعولاتها.
وهذا لا حجّة فيه ، لأنّ العرب لا تضمّنها معنى القسم على اللزوم ، فإذا امتنع حذف مفعولها إذا دخلها معنى القسم لما ذكر فما الذي يمنع من حذفها إذا لم تتضمّن معنى القسم؟
وأمّا الأعلم ومن أخذ بمذهبه فحجّتهم أنّ كلّ كلام مبنيّ على الفائدة. فإذا لم توجد فائدة لم يجز التكلّم به ، قال : فإذا قلت : «ظننت» ، كان مفيدا لأنّ الإنسان قد يخلو من الظنّ فيفيدنا بقوله : «ظننت» أنّه وقع منه ظنّ ، وإذا قلت : «علمت» ، كان غير مفيد لأنّه معلوم أنّ الإنسان لا يخلو من علم إذ له أشياء يعلمها بالضرورة ، كعلمه أنّ الاثنين أكثر من الواحد.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، بل الصحيح أنه يجوز : «علمت» ، وتحذف المفعولين ، حذف اقتصار لأنّ الكلام إذا أمكن حمله على ما فيه فائدة كان أولى.
فإذا قال قائل : علمت ، علمنا أنّه أراد أنّه وقع منه علم ما لم يكن يعلم إذ حمله على غير ذلك غير مفيد.
______________________
ـ وجملة «ترى» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب ، وجملة «تحسب» معطوفة على جملة «ترى» لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله : «تحسب» حيث حذف المفعولين لدلالة سابق الكلام عليهما ، والتقدير : «وتحسب حبّهم عارا عليّ».
(١) فصلت : ٤٨.