فوصف «المذق» بما لا يحتمل الصدق والكذب ، كأنه قال : «بمذق أغبر». والمذق : اللبن الذي مذق بالماء ، أي : مزج بالماء ، فإنّه يتخرّج على إضمار القول ، كأنّه قال : بمذق تقول فيه إذا رأيته : هل رأيت الذئب قطّ؟ والقول كثيرا ما يحذف.
ويشترط كونه في الجمل أيضا أن يكون فيها ضمير يعود على الموصوف ، وحكمه في الحذف والإثبات كحكم الضمير العائد على الموصول إلّا أن يكون مرفوعا فإنه لا يجوز حذفه أصلا ، مبتدأ كان أو خبرا.
واعلم أنه لا يوصف بما هو في تقدير الاسم إلّا النكرة ، فإن أردت أن تصف به المعرفة ، فلا بدّ من جعله في صلة موصول ، وحينئذ يسوغ لك ذلك نحو قولهم : «مررت بزيد الذي قام أبوه وبزيد الذي في الدار وبزيد الذي عندك».
وقولنا : «لتخصيص نكرة» ، مثاله : «مررت برجل عاقل» ، ألا ترى أنه كان يحتمل جميع الرجال ، فلما وصفته بـ «عاقل» صار لا يقع إلّا لمن هذه صفته.
وقولي : «ولإزالة اشتراك عارض في معرفة» ، مثاله : «مررت بزيد الخيّاط» ، إذا كان بينك وبين مخاطبك عهد في زيدين أحدهما خياط والآخر ليس كذلك.
______________________
ـ ٣ / ٣٠ ، ٥ / ٢٤ ، ٤٦٨ ، ٦ / ١٣٨ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٩ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٧٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٤١ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٥٢ ، ٥٣ ؛ ولسان العرب ٤ / ٢٤٨ (خضر) ، ١٠ / ٣٤٠ (مذق) ؛ والمحتسب ٢ / ١٦٥ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٤٦ ، ٢ / ٥٨٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١١٧.
شرح المفردات : جنّ الظلام : اشتدّ سواده. اختلط : اعتكر. المذق : اللبن المخلوط بالماء.
المعنى : يقول هاجيا قوما بخلاء : لمّا حلّ الظلام قدّموا لنا لبنا ممزوجا بالماء فصار شبيها بلون الذئب في كدرته.
الإعراب : ... «حتى» : حرف ابتداء وغاية. «إذا» : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط ، متعلّق بجوابه.
«جنّ» : فعل ماض. «الظلام» : فاعل مرفوع. «واختلط» : الواو حرف عطف ، «اختلط» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «جاؤوا» : فعل ماض ، والواو ضمير في محلّ رفع فاعل. «بمذق» : جار ومجرور متعلّقان بـ «جاؤوا». «هل» : حرف استفهام. «رأيت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «الذئب» : مفعول به منصوب. «قط» : ظرف زمان مبني في محلّ نصب ، متعلّق بـ «رأيت».
وجملة «إذا جن ... جاؤوا» الشرطية استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «جن الظلام» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة : «اختلط» معطوفة على جملة «جنّ». وجملة : «جاؤوا ...» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم. وجملة «هل رأيت» في محل نصب مفعول به لفعل القول المحذوف الذي هو نعت لـ «مذق» تقديره : «بمذق مقول فيه هل رأيت ...».
الشاهد فيه قوله : «بمذق هل رأيت الذئب» حيث جاء ظاهر الجملة الاستفهاميّة وكأنّه نعت للنكرة «مذق» ، والحقيقة هي مقول قول محذوف تقديره : «جاؤوا بمذق مقول فيه : هل رأيت الذئب قط».