واختلفت في الشرعيات ، فقال أصحابنا بالتخطئة فيها أيضا ، وأنّ (١) له تبارك وتعالى في كل مسألة حكم يؤدّي إليه الاجتهاد تارة وإلى غيره أخرى. وقال مخالفونا بالتصويب ، وأنّ (٢) له تعالى أحكاما
______________________________________________________
المعدوم وأدرك عقل عمرو استحالتها ، أو أدرك عقل رجل قبح الكذب الضار ، وعقل آخر عدم قبحه مطلقا بل فيما كان المتضرر هو المؤمن ، أو أدرك عقل أحدهما حسن الصدق النافع ، وآخر قيّده بشيء مثلا ، فلو قيل بالتصويب فيها لزم اجتماع الضدين بل النقيضين ، وهو محال ، إذ الواقع إمّا أن يكون ظرفا لاستحالة إعادة المعدوم وإما لإمكانها ، لبداهة امتناع أن يقال : إن إعادة المعدوم ممكنة ومستحيلة ، فالتخطئة في هذا السنخ من العقليات مما لا بد منه.
ولا فرق في ذلك بين الحكم العقلي الّذي موضوعه حكم شرعي كحسن الإطاعة وقبح المعصية وبين غيره مما تقدّم كاستحالة إعادة المعدوم وإمكانها ، لوحدة المناط وهو استحالة اجتماع الضدين أو النقيضين.
وليعلم أنّ الاتّفاق على التخطئة في العقليات وإنّما يكون مورده الأحكام العقلية التي تقع طرقا إلى استكشاف الواقعيات كالملازمة بين وجوب المقدمة وذيها ، فإنّ هذه الملازمة أمر واقعي يدركها العقل تارة ولا يدركها أخرى ، وكذا استحالة شيء واقعا أو مصلحته أو مفسدته كذلك. وأمّا الأحكام العقلية غير الطريقية التي لا واقع لها ويكون إدراك العقل مقوّما لحكمه فلا محيص عن الالتزام بالتصويب فيها ، ضرورة أنّ الحسن العقلي حينئذ ليس إلّا ملائمة الشيء لدى القوة العاقلة كملاءمة الشيء لدى سائر القوى من الذائقة والشامة واللامسة ، كما أنّ القبح العقلي عبارة عن منافرته لدى القوة العاقلة كإدراكه حسن العدل وقبح الظلم ، ومن المعلوم عدم تطرق الخطأ في الأمور الوجدانية المتقوّمة بإدراكات العقل.
(١) عطف تفسير لـ «التصويب» وقوله : «تارة» متعلق بـ «يؤدي».
(٢) عطف تفسير لـ «التصويب» وبيان لما يعتقده المخالفون ، لكنك عرفت اختلاف كلماتهم في المسألة ، وتفصيلهم بين الظن الحاصل من الكتاب والسنة والحاصل من سائر