فالجواب عن ذلك ما ذهب إليه الخليل وسيبويه (١) ، وذلك أنهما ذهبا إلى أن هذا لّما كان جمعا ، والجمع أثقل من الواحد ، وهو أيضا الجمع الأكبر الذي تتناهى إليه الجموع ، وذلك أنك تقول : كلب وأكلب ، ثم تجمع الجمع ، فتقول أكالب ، ونحوه عبد وأعبد وأعابد ، قال أبو داود (٢) :
لهق كنار الرأس بال |
|
علياء تذكيها الأعابد (٣) |
ويقولون : سقاء (٤) وأسقية وأساق ، وشفاء (٥) وأشفية وأشاف ، فزاده ما ذكرناه ثقلا ، ووقعت مع ذلك في آخره الياء ، وهي مستثقلة ، فلما اجتمعت فيه هذه الأشياء خففوه بحذف يائه ، فلما حذفت الياء نقص عن مثال مفاعل ، وصار جوار وغواش بوزن جناح ، فدخله التنوين لنقصانه عن مثال مفاعل ، فقلت : جوار وغواش ومجار.
يدلك على أنه لما نقص في حال الرفع والجر عن مثال مفاعل لحقه التنوين لنقصانه أنك إذا صرت إلى حال النصب ، فجرى مجرى الصحيح كما من عادة المنقوص إذا نصب فأتممته ، لم تصرفه ، فقلت : رأيت جواري وغواشي وعوالي ، ونحو ذلك.
وذهب أبو إسحاق إلى أن التنوين في جوار ونحوه إنما هو بدل من الحركة الملقاة لثقلها عن الياء ، فلما جاء التنوين حذفت الياء لالتقاء الساكنين هي والتنوين ، كما حذفت من المنصرف في نحو قاض وغاز ومشتر ومتعال.
وهذا الذي ذهب إليه أبو إسحاق غير مرضي من القول ، ولا سائغ في القياس ، وقد ترك قول سيبويه والخليل (٦) ، وخالفهما إلى خلاف الصواب ، وذلك أن الياء في باب جوار ونحوه في الرفع والجر قد عاقبت الحركة ، فلم تجتمع معها ، فلما ناوبتها
__________________
(١) سيبويه : الكتاب (٢ / ٥٦ ـ ٥٧).
(٢) البيت ينسب لأبي داود الإيادي في ديوانه (ص ٣٠٧).
(٣) لهق : أي أبيض. القاموس المحيط (٣ / ٢٨١). والشاهد في قوله (الأعابد) حيث جمعت جمع الجمع.
(٤) سقاء : وعاء من جلد يكون للماء واللبن. القاموس المحيط (٤ / ٣٤٣).
(٥) شفاء : دواء.