وأيضا فلو كان المراد تأنيث الفعل دون فاعله لجاز قامت زيد ونحو ذلك.
ودليل ثالث ، وهو أن أبا زيد (١) أنشد (٢) :
إذا ما كنت ملتمسا لغوث |
|
فلا تصرخ بكنتيّ كبير (٣) |
وأنشد أحمد بن يحيى (٤) :
فأصبحت كنتيّا وأصبحت عاجنا |
|
وشرّ خصال المرء كنت وعاجن (٥) |
فقوله «كنتيا» معناه أنه يقول : كنت في شبابي أفعل كذا ، وكنت في حداثتي أصنع كذا ، وكنت : فعل ، وفاعله التاء ، ومن الأصول المستمرة أنك لو سميت رجلا بجملة مركبة من فعل وفاعل ، ثم أضفت إليه ، أي نسبت ، لأوقعت الإضافة على الصدر ، وحذفت الفاعل ، وعلى ذلك قالوا في النسب إلى تأبط شرا : تأبّطيّ ، وفي قمت : قوميّ ، حذفوا التاء ، وحركت الميم بالكسرة التي تجتلبها ياء الإضافة ، فلما تحركت رجعت الواو التي كانت سقطت لسكونها وسكون الميم ، وتلك الواو عين الفعل من قام ، فقلت : قوميّ ، وكذا كان القياس أن تقول في كنت : كونيّ ، تحذف التاء ، لأنها الفاعل ، وتحرك النون ، فترد الواو التي هي عين الفعل من كنت ، فقولهم : كنتيّ ، وإقرارهم التاء التي هي ضمير الفاعل مع ياء الإضافة ، يدل على أنهم قد
__________________
(١) أبو زيد : صاحب النوادر ، واستشهد ابن جني وأبو علي الفارسي بشواهده.
(٢) البيت لم أعرف قائله وأنشده اللسان في مادة (كون). اللسان (٥ / ٣٩٦٢).
(٣) ملتمسا : طالبا. اللسان (٥ / ٤٠٧٣). الغوث : النجدة. اللسان (٥ / ٣٣١٢). الكنتي : الشيخ الكبير. نسب إلى كنت في شبابي. مادة (ك ون) اللسان (٥ / ٣٩٦٢). يقول إذا استنجدت فلا تستنجد بعجوز عاجز. الشاهد شرحه المؤلف في المتن ، وهو في كلمة «كنتي».
(٤) أحمد بن يحيى : ثعلب رأس النحاة الكوفيين.
(٥) البيت لم أعثر على قائله ، وأورده اللسان في مادة «كون». العاجن : من الرجال الذي يعتمد على الأرض بجمعه ، إذا أراد النهوض من كبر أو بدانة. الخصال : جمع خصلة وهي الخلق في الإنسان. فضيلة كانت أو رذيلة. اللسان (٢ / ١١٧٥). يقول : لقد كبر سني حتى لم يعد لي إلا ذكريات الماضي والعجز. الشاهد : شرحه ابن جني في المتن.