والحروف التي اتّسعت مخارجها ثلاثة : الألف ، ثم الياء ، ثم الواو ، وأوسعها وألينها الألف ، إلا أنّ الصوت الذي يجري في الألف مخالف للصوت الذي يجري في الياء والواو ، والصوت الذي يجري في الياء مخالف للصوت الذي يجري في الألف والواو.
والعلة في ذلك أنّك تجد الفم والحلق في ثلاث الأحوال ، مختلف الأشكال ، أما الألف فتجد الحلق والفم معها منفتحين ، غير معترضين على الصوت بضغط أو حصر ، وأما الياء فتجد معها الأضراس سفلا وعلوا قد اكتنفت (١) جنبتي (٢) اللسان وضغطته ، وتفاجّ (٣) الحنك عن ظهر اللسان ، فجرى الصوت متصعدا هناك ، فلأجل تلك الفجوة ما استطال (٤) ، وأما الواو فتضمّ لها معظم الشفتين ، وتدع بينهما بعض الانفراج ، ليخرج فيه النفس ، ويتّصل الصوت. فلما اختلفت أشكال الحلق والفم والشفتين مع هذه الأحرف الثلاثة اختلف الصّدى المنبعث (٥) من الصّدر ، وذلك قولك في الألف أا ، وفي الياء إى ، وفي الواو أو.
ولأجل ما ذكرنا من اختلاف الأجراس في حروف المعجم باختلاف مقاطعها ، التي هي أسباب تباين أصدائها ، ما شبّه بعضهم الحلق والفم بالناي (٦) ، فإنّ الصوت يخرج فيه مستطيلا أملس ساذجا (٧) ، كما يجري الصوت في الألف غفلا (٨) بغير صنعة ، فإذا وضع الزّامر أنامله على خروق الناي المنسوقة (٩) ، وراوح بين أنامله ،
__________________
(١) اكتنفت : أحاطت. لسان العرب (٥ / ٣٩٤١). مادة (ك. ن. ف).
(٢) جنبتي : الجنبة بسكون النون ويحرك ، كالجنب والجانب : إحدى ناحيتي الشيء. لسان العرب (١ / ٦٩١). مادة (ج. ن. ب).
(٣) تفاج : تباعد ، كتجالى : أي نبا وبعد. لسان العرب (١ / ٦٤٦). مادة ـ (ج. ف. ا).
(٤) ما استطال : المؤلف يكثر من استعمال (ما) في مثل هذا التعبير ، ويمكن تخريجها على الزيادة أو المصدرية.
(٥) المنبعث : المرسل والمندفع. لسان العرب (١ / ٣٠٧). مادة (ب. ع. ث).
(٦) بالناي : لفظة فارسية ، معناها القصبة ، والمراد هنا اليراعة المثقبة التي يزمر فيها (ج) يراع.
(٧) ساذجا : خالصا غير مشوب. مادة (س. ذ. ج).
(٨) غفلا : ما لا علامة فيه ولا أثر يميزه ، والغفل : المادة لم تصنع. (ج) أغفال.
(٩) المنسوقة : المتتابعة على نظام ، ويقال : ناسق بين الأمرين أي تابع بينها ولاءم ونسقه : نظمه.