فهذه كلها أفعال النفس التي تحدث لها ولا تتجاوزها ، وإنما هي بمنزلة كرمت وحسنت وظرفت وشرفت.
فهذه أحوال الباء في زيادتها مع الفضلة ، أعني بالفضلة المفعول ، وفيه معظم زيادة الباء.
وقد زيدت الباء أيضا مع أحد جزأي الجملة التي لا تنعقد مستقلة إلا به ، وذلك على ثلاثة أضرب : أحدها المبتدأ ، والآخر الخبر ، والآخر الفاعل.
فأما المبتدأ فقولهم : بحسبك أن تفعل كذا ، إنما هو حسبك أن تفعل كذا ، والباء زائدة.
وأنشدنا أبو عليّ (١) قال : أنشد أبو زيد (٢) :
بحسبك في القوم أن يعلموا |
|
بأنك فيهم غنيّ مضرّ (٣) |
أي حسبك ذلك ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ٦٤](٤) ، ولا أعلم الآن مبتدأ زيدت فيه الباء غير هذه اللفظة.
وقولهم : «أثى (٥) به الدهر بما أتى به».
__________________
(١) أبو علي : الحسن الفارسي شيخ ابن جني.
(٢) أبو زيد : صاحب كتاب النوادر.
(٣) البيت للأشعر الرقبان الأسدي الجاهلي. (نوادر أبي زيد / ص ٧٣). المضر : معناه الذي له ضر من مال ، أي له قطعة منه. وقال بعضهم : مضر : أي صاحب ضرائر. والأول أحسن ، وهو أشبه بالمعنى. الشرح : يقول : أنت موسر ، وأنت مع ذلك بخيل. والشاهد في قوله : «بحسبك» فقد زيدت الباء مع المبتدأ. إعرابه : الباء حرف جر زائد. حسب : مبتدأ مجرور لفظا مرفوع محلا ، والكاف ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
(٤) (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) : حسبك : كفاك. الشاهد : ورود حسبك بدون حرف جر زائد.
(٥) في لسان العرب في (أثا) أثوت الرجل وأثيته ، وأثوت به وأثيت به وعليه أثوا وأثيا وإثاوة وإثاية : وشيت به ، وعلى هذا يكون معنى العبارة : «ما أتى به الرجل نمّ به الدهر». الباء في «بما» زائدة ، و «ما» مبتدأ. والجملة قبلها خبر.