غيره ، قلت : وإن كان كذلك فجوابه فقها كأنت طالق غدا و «لا تخرجي إلّا أن آذن لك» ، لكنّ الأصل أن يكون المقدّر كالملفوظ ، وإعمال الخبر في ضميرين لمسمّى واحد كاف في المنع. على أنّ ذلك مشكل أعني تعلّق (منه) ب (أحسن) في أصل المسألة ، إذا رفعت الكحل بأحسن ، لما يلزم من تعدّي فعل الظاهر إلى مضمره ، وقد تقدّم الكلام فيه ، ولعلّ الصفّار أخذ الإشكال عن ابن عصفور ، والانفصال عنه بأنّ الضمير الذي دخل عليه (من) هو كحل آخر غير الذي رفع ب (أحسن) فكذا هنا ، على أنّ هذا أيضا يتأتّى فيما إذا قدّم الكحل ولم يذكره ، وجنح إلى أمر طويل خطابيّ ، ولا يتكلّف له أن يقال : عود الضمير على متأخّر إنّما هو فيما جاء عن العرب ، وهذا لم يجئ ولا غيره من التكلّفات. واعلم أنّ هذين التعليلين مفهومان من كلام سيبويه ـ رحمه الله ـ وأورد بعضهم على التعليل الثاني ما قلناه ، وانفصل بأنّ سيبويه إنّما ذكر ذلك ليفرّق بين مسألة الكحل بترتيبها وبين مسألة «مررت برجل خير منه أبوه» (١). ولم يقل ليس لجواز الرفع محل آخر وقد صرّح الصفّار بجواز المسألة بالرفع على تقدير تقديم الكحل وعلى تقدير تأخيره عنه مثل أن يكون معطوفا على «من الناس» مقدّرا ، بأن يكون الكحل مبتدأ أمّا إذا كان خبرا فيمتنع تأخير الكحل لما ذكرناه. ونظير هذه المسألة على هذا التعليل من الحمل على أحسن القبيحين مسألة «ما قام إلّا زيدا أصحابك» ، وأصلها : ما قام أصحابك إلّا زيدا ، فدار الأمر حين التقديم بين الرفع الراجح والنصب المرجوح ، لمّا أنّ البدل لا يتقدّم ، ومسألة «مررت بزيد ورجل آخر قائمين» آثروا مجيء الحال من النكرة على وصف المعرفة بالنّكرة ، ومسألة «هذا مقبلا رجل» آثروا مجيء الحال من النكرة على تقديم الصّفة فتحمّلوا القبيح لدفع أقبح منه. ولعلّ هذا مراد الشيخ أبي عمرو في قوله لو لم يرفع الظاهر لكان مرفوعا بالابتداء وهو متعذّر لقصوره عن غيره ، أي : لأنّ الرفع بالابتداء قاصر عن الرفع على الفاعليّة لاستلزام ذلك الفصل ، وهذا وإن كان فعله رفع (أفعل) الظاهر فأمره أخفّ.
ولرفع (أفعل) الظاهر في هذه المسألة تعليل آخر مفهوم من كلام سيبويه أيضا اعتمد عليه شرّاحه وهي أنّ (أفعل) إذا كان لتفضيل الشيء على نفسه في موضعين فهي جارية على الأوّل في المعنى ، مع رفعها الظاهر ، فرفعه إذ ذاك كما يرفع الضمير ، لأنّك إنّما تفضّل بها المكان على غيره ، إذ لا تقدر أن تفضّل بها نفس الشيء نفسه. قال سيبويه : «ولكنّك زعمت أنّ للكحل هنا عملا وهيئة» (٢) يعني عملا من
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٤).
(٢) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).