لا يلاصق الجزاء الشرط كذلك الفاء ، ألا ترى أن الفاء في قولك : «إن يقم زيد فعمرو يكرمه» قد فصل بينها وبين الشرط زيد ، وكذلك إذا قلت : «إن تقم فعمرو يكرمك» فقد فصل بين الشرط وبين الفاء الضمير المستكن فيه ، فلما نزلت أما منزلة الفعل الذي هو الشرط لم يجز أن تلاصقه الفاء.
فإن قال قائل : هل يجوز أن تكون عاطفة هذه الفاء زائدة لحذفها في الشعر.
قيل : لا يخلو أن تكون عاطفة أو زائدة أو جزاء ، فلا يجوز أن تكون عاطفة لدخولها على خبر المبتدأ وخبر المبتدأ لا يعطف على المبتدأ ، ولا يجوز أن تكون زائدة لأن الكلام لا يستغني عنها في حال السعة فلم يبق إلّا أن تكون جزاء.
وإذا عرفت هذا فالفاء بعد (أمّا) لازمة لما ذكرت لك من نيابة (أمّا) عن الشّرط وحرفه ، فإن حذفها الشاعر فللضّرورة كما جاز له حذفها من جواب الشّرط كقول عبد الرّحمن بن حسّان بن ثابت (١) : [البسيط]
من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
والشّرّ بالشّرّ عند الله سيّان |
كان الوجه أن يقول : فالله. ومثل حذفها من قوله (٢) : [الطويل]
فأمّا القتال لا قتال لديكم |
|
[ولكنّ سيرا في عراض المواكب] |
حذفها من قول بشر بن أبي خازم : [المتقارب]
٦٨٢ ـ وأمّا بنو عامر بالنّسار |
|
غداة لقوا القوم كانوا نعاما |
ومع هذا التشديد في حذف الفاء من جواب (أمّا) قد جاء حذفها في التّنزيل : ولكنّه حذف كلا حذف ، وإنّما حسّن ذلك حتّى جعله كطريق مهيع حذفها مع ما اتّصلت به من القول ، والقول قد كثر حذفه في التّنزيل لأنّه جار في حذفه مجرى المنطوق به ، فمن ذلك قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤] ، أي : يقولون سلام عليكم. ومثله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧] ، أي : يقولان : ربّنا تقبّل منّا. ومثله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) [السجدة : ١٢]. والآية التي ورد فيها
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٦٢٨).
(٢) مرّ الشاهد رقم (٦٧٧).
٦٨٢ ـ الشاهد لبشر بن أبي خازم في ديوانه (ص ١٩٠) ، ولسان العرب (نعم) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٧٢٢) ، ولسان العرب (طعم).