كان يعارضه ، فإذا لم يكن في الكلام ما يقتضي النصب من فعل أو شبهه لم يجز النصب ، ومن هنا كان خطأ قول الكوفيين في «ما زيد قائما» : إنّ ما النافية لم ترفع الاسم ولم تنصب الخبر ، بل ارتفاع زيد على أنه مبتدأ ونصب «قائما» على إسقاط الباء ، وهذان الوجهان لو صحّا لاقتضيا أن لا يجوز الإعراب في اللغة البيان ، ولكن نجيزه على التعليق بأعني مضمرة معترضة بين المبتدأ والخبر ، والفصل بالجملة الاعتراضية جائز اتفاقا ، فإن قلت : هلّا قدّرت الجارّ المحذوف أو المذكور متعلقا بالخبر المؤخر عنه فإنّ فيه معنى الفعل ، قلت : لفساده معنى وصناعة ، أمّا معنى فلأنّه يصير المعنى : الإعراب البيان الحاصل في اللغة لا البيان الحاصل في غير اللغة ، وليس المراد هذا ، وأما صناعة فلأنّ البيان ونحوه مصادر ، ولا يتقدم على المصدر معموله ولو كان ظرفا ، ولهذا قالوا في قول الحماسي : [الهزج]
٥٤٥ ـ وبعض الحلم عند الجه |
|
ل للذّلة إذعان |
إنّ اللام متعلقة بإذعان محذوف يدل عليه الإذعان المذكور ، وليست متعلقة بالإذعان المذكور ، فإذا امتنعوا من ذلك حيث لم يظهر تأثير المصدر للنصب ولم يتجوزوا في الجار بالحذف فهم عن تجويز التقديم عند وجود هذين أبعد ، فإن قلت : هب أنّ هذا امتنع حيث الخبر مصدر ، لكنّه لا يمنع حيث هو وصف كقوله : الدليل لغة المرشد ، قلت بل يمتنع لأنّ اسم الفاعل صلة الألف واللام ، أي : الدليل الذي يرشد ، ولا يتقدم معمول الصلة على الموصول ولو كان ظرفا ، ولهذا يؤول قول الله سبحانه وتعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠] ، (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف : ٢١] ، (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) [الشعراء : ١٦٨] ولو قدّرنا «ال» في ذلك لمحض التعريف ، كما يقول الأخفش ، لم نخلص من الإشكال الثاني وهو فساد المعنى ، إذ المعنى حينئذ : الدليل الذي يرشد في اللغة لا الذي يرشد في غير اللغة ، وأيضا فإذا امتنع التعليق بالخبر حيث يكون الخبر مصدرا امتنع في الباقي لأنّ هذه الأمثلة باب واحد ، فإن قلت : قدّر التعليق بمضاف محذوف ، أي : تفسير الإعراب في اللغة البيان ، كما قالوا : أنت مني فرسخان على تقدير : بعدك مني فرسخان ، وقدر في مثلها في قولهم : الاسم ما دلّ على معنى في نفسه ، أي : ما دلّ
__________________
٥٤٥ ـ الشاهد للفند الزماني (شهل بن شيبان) في أمالي القالي (١ / ٢٦٠) ، وحماسة البحتري (ص ٥٦) ، وخزانة الأدب (٣ / ٤٣١) ، والدرر (٥ / ٢٥٠) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٣٨) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٤٤) ، والمقاصد النحوية (٣ / ١٢٢) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (٢ / ٣٣٨) ، وهمع الهوامع (٢ / ٩٣).