وأبيض لياح ، كذلك أيضا [قلبت الياء واوا] فى نحو الفتوى ، والرّعوى ، والتقوى ، والبقوى ، والثّنوى ، والشّروى ـ وقد ذكر ذلك ـ وقولهم عوى الكلب عوّة. وكما أتبعوا الثانى الأوّل فى نحو شدّ ، وفرّ ، وعضّ ، ومنذ ، كذلك أتبعوا الأوّل الثانى فى نحو : اقتل ، اخرج ، ادخل ، وأشباه هذا كثير ، فلمّا رأى سيبويه العرب إذا شبّهت شيئا بشىء فحملته على حكمه ، عادت أيضا فحملت الآخر على حكم صاحبه ، تثبيتا لهما وتتميما لمعنى الشّبه بينهما ، حكم أيضا لجرّ الوجه من قوله (هذا الحسن الوجه) أن يكون محمولا على جرّ الرجل فى قولهم (هذا الضارب الرجل) كما أجازوا أيضا النصب فى قولهم (هذا الحسن الوجه) حملا له منهم على (هذا الضارب الرجل) ونظيره قولهم : يا أميمة ، ألا تراهم حذفوا الهاء فقالوا : أميم ، فلمّا أعادوا الهاء أقرّوا الفتحة بحالها اعتيادا للفتحة فى الميم ، وإن كان الحذف فرعا. وكذلك قولهم (اجتمعت أهل اليمامة) أصله (اجتمع أهل اليمامة) ثم حذف المضاف فأنّث الفعل فصار (اجتمعت اليمامة) ثم أعيد المحذوف فأقرّ التأنيث الذى هو الفرع بحاله ، فقيل اجتمعت أهل اليمامة (نعم) وأيّد ذلك ما قدّمنا ذكره : من عكسهم التشبيه وجعلهم فيه الأصول محمولة على الفروع ، فى تشبيههم كثبان الأنقاء بأعجاز النساء ، وغير ذلك مما قدّمنا ذكره.
ولمّا كان النحويّون بالعرب لاحقين ، وعلى سمتهم آخذين ، وبألفاظهم متحلّين ، ولمعانيهم وقصودهم آمّين ، جاز لصاحب هذا العلم ؛ الذى جمع شعاعه ، وشرع أوضاعه ، ورسم أشكاله ، ووسم أغفاله (١) ، وخلج أشطانه ، وبغج أحضانه ، وزمّ شوارده ، وأفاء فوارده (٢) ، أن يرى فيه نحوا مما رأوا ، ويحذوه على أمثلتهم التى حذوا ، وأن يعتقد فى هذا الموضع نحوا مما اعتقدوا فى أمثاله ، لا سيّما والقياس إليه مصغ ، وله قابل ، وعنه غير متثاقل. فاعرف إذا ما نحن عليه للعرب مذهبا ، ولمن شرح لغاتها مضطربا ، وأن سيبويه لاحق بهم ، وغير بعيد فيه عنهم. ولذلك عندنا لم يتعقّب هذا الموضع عليه أحد من أصحابه ، ولا غيرهم ، ولا أضافوه إلى
__________________
(١) الغفل بضم الغين وسكون الفاء : كلّ ما لا علامة فيه ولا أثر عمارة من الأرضين والطرق ونحوها ، والجمع أغفال. وانظر اللسان (غفل).
(٢) الفوارد : جمع فارد وفاردة ، وظبية فارد : منفردة انفردت عن القطيع. اللسان (فرد).