قال الواسطيّ : الأولى كون المحذوف المبتدأ ، لأن الخبر محطّ الفائدة ومعتمدها.
وقال العبديّ في (البرهان) : الأولى كونه الخبر ، لأن الحذف اتّساع وتصرّف وذلك في الخبر دون المبتدأ ، إذ الخبر يكون مفردا جامدا ، ومشتقا ، وجملة على تشعب أقسامها. والمبتدأ لا يكون إلا اسما مفردا.
وقال شيخنا : الحذف بالأعجاز والأواخر أليق منه بالصدور والأوائل ، مثاله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨] أي : شأني صبر جميل ، أو صبر جميل أمثل من غيره ، ومثله : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١] أي : المطلوب منكم طاعة ، أو طاعة أمثل لكم.
قال ابن هشام في (المغني) (١) : ولو عرض ما يوجب التعيين عمل به ، كما في : نعم الرجل زيد ، إذ لا يحذف الخبر وجوبا إلا إذا سدّ شيء مسدّه.
وجزم كثير من النحويين في نحو : عمرك لأفعلنّ ، وايمن الله لأفعلنّ ، بأن المحذوف الخبر ، وجوّز ابن عصفور كونه المبتدأ.
قاعدة : ما هو الأولى بالحذف : الفعل أو الفاعل
قال ابن هشام في (المغني) (٢) : إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا ، والباقي فاعلا ، وكونه مبتدأ والباقي خبرا ، فالثاني أولى ، لأن المبتدأ عين الخبر. فالمحذوف عين الثابت ، فيكون حذفا كلا حذف. فأما الفعل فإنه غير الفاعل اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية أخرى ، كقراءة شعبة : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] بفتح الباء ، فإنه يقدّر الفعل ، والموجود فاعل لا مبتدأ لوقوعه فاعلا في قراءة من كسر الباء ، أو بموضع آخر يشبهه نحو : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧]. فلا يقدر ليقولن : الله خلقهم ، بل خلقهم الله ، لمجيء ذلك في شبه هذا الموضع ، وهو : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف : ٩].
وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إذا تردّد الإضمار بين أن نكون قد أضمرنا خبرا ، أو أضمرنا فعلا ، كان إضمار الخبر وحذفه أولى من إضمار الفعل وحذفه ، لأن
__________________
(١) انظر مغني اللبيب (٦٨٣).
(٢) انظر مغني اللبيب (٦٨٤).