وأما من قال : لا أدري ما وجهها فمعذور لخفاء إدراك ذلك عليه ، وأما تأويل إنّ المثقلة بأنها المخففة التي هي نافية ، ففي غاية من الخطأ لأنها لو كانت نافية لم ينتصب بعدها كلّ ، بل كان يرتفع ، وأيضا فإنه لا يحفظ من كلامهم أن تكون إنّ المثقلة نافية. وأما تأويل الفرّاء فأيضا في غاية الضعف ، إذ لا يحفظ من كلامهم لمّا في معنى لمن ما.
قال : وقد كنت من قديم فكّرت في تخريج هذه الآية ، فظهر لي تخريجها على القواعد النحوية من غير شذوذ ، وهو أنّ لما هي الجازمة ، وحذف الفعل المعمول لها لدلالة معنى الكلام عليه ، والمعنى وأنّ كلّا لما يبخس أو ينقص عمله ، أو ما كان من هذا المعنى. فحذف الفعل لدلالة قوله : (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١] عليه. قال : فعلى هذا استقرّ تخريج الآية على أحسن ما يمكن وأجمله ، ولم يهتد أحد من النحويين في هذه الآية إليه على وضوحه واتجاهه في علم العربية ، والعلوم كنوز تحت مفاتيح الفهوم.
قال : ثم وجدت شيخنا أبا عبد الله بن النقيب قد حكى في تفسيره عن أبي عمرو بن الحاجب أنّ (لما) هنا هي الجازمة ، وحذف الفعل بعدها ، انتهى.
فائدة : قال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : اعلم أنّ العرب حملت (لو) على (لو لا) في موطن واحد أوقعت بعدها (أنّ) ، فقالت : لو أنّ زيدا قائم ، كما قالت : لو لا أنّ زيدا قائم ، وفعلت هذا هنا لقرب لو من لو لا ، ولشبه أن بالفعل ، فكأن أنّ إذا وقعت بعد لو قد وقع بعدها الفعل.
ذكر ما افترقت فيه مدّة الإنكار ومدّة التذكار
قال في التسهيل (١) : لا تلي زيادة التذكار هاء السكت ، بخلاف زيادة الإنكار.
قال أبو حيّان : وسبب ذلك أنّ المنكر قاصد للوقف ، والمتذكّر ليس بقاصد للوقف ، وإنما عرض له ما أوجب قطع كلامه ، وهو طالب لتذكّر ما بعد الذي انقطع كلامه فيه ، فلذلك لم تلحقه.
ذكر الفرق بين هل وهمزة الاستفهام
قال ابن هشام (٢) : تفترق هل من الهمزة من عشرة أوجه : اختصاصها بالتصديق
__________________
(١) انظر تسهيل الفوائد لابن مالك (٢٥٠).
(٢) انظر مغني اللبيب (٣٨٦).