الثالث : أنها تدخل على الإثبات وعلى النفي. ذكره بعضهم ، وهو منتقض ب (أم) فإنها تشاركها في ذلك نحو : أقام زيد أم لم يقم؟
الرابع : تمام التصدير ، بدليل أنها لا تذكر بعد أم التي للإضراب ، كما يذكر غيرها ، لا تقول : أقام زيد أم أقعد؟ وتقول : أم هل قعد. وأنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم تقدمت على العاطف ، تنبيها على أصالتها في التصدير ، نحو : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) [الأعراف : ١٨٥] ، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) [يوسف : ١٠٩] ، (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) [يونس : ٥١] وأخواتها تتأخر عن حروف العطف ، كما هو قياس جميع أجزاء الجملة ، نحو : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) [آل عمران : ١٠١] ، (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) [التكوير : ٢٦] ، (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) [الأحقاف : ٤٦] ، هذا ما ذكره ابن هشام.
وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : الهمزة أصل أدوات الاستفهام ، وأمّ الباب ، وأعمّ تصرفا ، وأقوى في باب الاستفهام لأنها تدخل في مواضع الاستفهام كلّها ، وغيرها ممّا يستفهم به يلزم موضعا ، ويختص به ، وينتقل عنه إلى غير الاستفهام ، نحو : من ، وكم ، وهل. (فمن) سؤال عمّن يعقل ، وقد تنتقل فتكون بمعنى الذي. (وكم) سؤال عن عدد ، وقد تستعمل بمعنى ربّ ، (وهل) لا يسأل بها في جميع المواضع. ألا ترى أنك تقول : أزيد عندك أم عمرو ، على معنى أيّهما عندك ، ولا يجوز في ذلك المعنى أن تقول : هل زيد عندك أم عمرو؟ وقد تنتقل عن الاستفهام إلى معنى (قد) ، نحو : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الدهر : ١] أي : قد أتى ، وقد تكون بمعنى النفي ، نحو : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن : ٦٠].
وإذ كانت الهمزة أعمّ تصرفا ، وأقوى في باب الاستفهام ، توسعوا فيها أكثر مما توسعوا في غيرها من حروف الاستفهام ، فلم يستقبحوا أن يكون بعدها المبتدأ والخبر ، ويكون الخبر فعلا ، نحو : أزيد قام؟. واستقبح ذلك في غيرها من حروف الاستفهام ، لقلة تصرّفها ، فلا يقال : هل قام زيد؟.
فائدة ـ حروف النفي : قال الأندلسيّ : حروف النفي ستة : اثنان لنفي الماضي ، وهما : لم ، ولمّا. واثنان لنفي الحال ، وهما : ما ، وإن. واثنان لنفي المستقبل ، وهما : لا ، ولن.
فائدة ـ تفسير الكلام : قال الزنجاني شارح (الهادي) : وقد يفسّر الكلام بإذا ،
__________________
(١) انظر شرح المفصل (٨ / ١٥١).