ودخلت أبيات الكرام فأكرموا |
|
زورى وبشوا في الحديث وقرّبوا |
وسمعت أصواتا فجئت مبادرا |
|
والقوم قد شهروا السيوف وأجلبوا |
فنصبت لما أن أتت أصلية |
|
وكذاك ينصبها أخونا قطرب |
ويمكن أن يكون الأمر لا إشكال فيه لو أنه ذكر «قطربا» في تمثيل لقاعدة ما ، أما وأن الأمر هو نسبة رأي إليه فإن الإشكال يقع من هذه الزاوية ، وهنا تثور في الذهن أسئلة كثيرة ، إذ كيف يذكر الخليل (قطربا) وهو ـ أي قطرب ـ لم يتتلمذ على يديه؟ بل إنه تتلمذ على يد أحد تلاميذ الخليل وهو سيبويه ، ألا يمكن أن يكون ذكر الخليل قطربا مدعاة لأن نشك في نسبة هذه القصيدة للخليل وأنها منحولة عليه؟ فلم تذكر كتب التراجم والسير والتاريخ أية علاقة بين الخليل وقطرب ، إضافة إلى ذلك أن الخليل مات قبل موت قطرب بإحدى وثلاثين سنة. هذا على شهرة تلك الرواية التي تذكر أن وفاة الخليل كانت عام ١٧٥ ه (١) ، ووفاة قطرب كانت عام ٢٠٦ ه (٢) ، فكيف يذكر الخليل «قطربا» ـ مع وجود هذا الفارق الزمني بينهما؟! ـ ويظل يقين نسبة القصيدة إلى الخليل قائما ، وهذا موطن التشكك الذي يهدم فكرة أن تكون هذه القصيدة من عمل الخليل.
ساورتني شكوك كثيرة ، وأنا في بادئ أمر تحقيق نسبة هذه القصيدة عند ما كنت أعيد قراءة هذا البيت وأسترجع تواريخ الوفاة بشكل خاص لكل من الخليل وقطرب وتلاميذ الخليل ، لكن تأمل هذه التواريخ جيدا والاطلاع على طبيعة الحياة في البصرة في ذلك الوقت ، بالإضافة إلى عوامل أخرى ، منها أمور نصية ، كل هذا هو الذي فك طلاسم المشكلة وأضاء الطريق ، بل وأضاف إليّ كثيرا من الراحة لتحقيق نسبة هذه القصيدة إلى الخليل ، ولنتتبع مراحل هذا التحقيق فيما يلي :
__________________
(١) وفيات الأعيان ٢ / ٢٤٨ ، إتحاف الأعيان ١ / ٥٦٧ أعلام العرب ٦٩.
(٢) الأعلام ٧ / ٩٥ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣١٢.